عبد الرحمن بن محمد السدحان
«تنتابني هذه الأيام حالة شعورية خاصة يتقاسمها شيءٌ من الضيق وشيءٌ من القلق .. وتَتْرى على سمعي في مثل هذا الموقف نصائحُ الناصحين من الأهل والأقربين بألاَّ أحمَّل نفسي من أوزار هذا العصر ما لا تطيق، لأنّها أشدّ مني بأساً، وأنا أمامها بائسٌ .. لا حولَ لي ولا طول!
* * *
«دعوني الآن أنقل لكم من شاشة إحساسي بعضَ ملامح ذلك القلق فأقول:
«عالمنا اليوم ضبابيّ اللون، مرُّ الطعم، رماديُّ الإحساس!
«سماؤُه ملبّدة بسُحُب القلق .. سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً!
«هواه ملوثُ بطفيليات المكْر والنفاق وازدواجية القيم!
«وأرضُه مزَنْجَرة بالنوائب والمحن والويلات .. بدْءاً بـ(طاعون) الإيدز .. وانتهاءاً بـ(جنون) الإرهاب الذي يتّخذُ من المواقف والمواقع والمواجع ألواناً!
* * *
«ثم تأملتُ على صعيد آخر مسَلسلَ الحَيْف والحتف الذي يجتاحُ أكثرَ من منطقة في هذا العالم الرمادي رُوحاً ورائحةً، فنالني من العجب ما نالني، وتردَّدتِ الآهاتُ فـي صدري حسراتٍ على المثل والقيم التي استقرت فـي أودية النصوص البلاغية جُثَثاً هامدة !
* * *
-عَجِبتُ .. وما برحتُ أعجَبُ مِمّا يفْرزُه هذا الزمنُ الرَّديُء من تناقضاتٍ لا يدْركَها ذهنُ عاقلٍ، ولا يُسوّغُها عْقلُ حكيم .. ولا يُقَرها وجدانُ حليم!
«فهذه إسرائيل .. تدك معادلات السلم أربعاً وعشرين ساعة فـي اليوم والليلة على رؤوس الفلسطينيين العُزّل من كل شيء سوى الإيمان بالله.. ثم بقضيتهم!
«وهي لا تفْتأُ تقتل الأطفالَ، وتشرد الشيوخَ.. وترمّل النساء، وحين (يتدخل) مجلسُ الأمن ناهياً أو ناهراً أو معترضاً، تسارعُ (ماما أمريكا) إلى (فأسِ) (الفيتو) تحطَّم به كلُّ مبادرةٍ لمصلحة الإرهاب الصهيوني.
* * *
«وفـي الوقت نفسه، يَكتفي العالمُ بملاَحِمَ من الكلام المستهلك تردّدُها الحناجرُ والأقلامُ هنا وهناك.. إمّا تنديداً يشبه العتَابَ، أو عِتَاباً يشْبهَ الاحتجَاجَ، أو احتجَاجاً مفرَّغاً من الفعل !
* * *
«رغم ذلك كله .. لا تحرك إسرائيل ساكناً .. بل تمضي فـي تنفيذ مجازر (الهلوكست) الجديد ضد عرب فلسطين .. بلا استثناء، متذرعةً بهاجسها الأمني .. وكأنّ أمنها يرجَحُ بكل القيم والأعراف والمبادئ الإنسانية!
* * *
«أماّ الحصار الخبيث لمدن الضفة الغربية والقطاع..
«أماّ القتل العمد وشبه العمد وتحطيم جماجم الأبرياء..
«أماّ هديرُ (البلدوزرات) التي تأتي على الأخضر واليابس من مزارع ومساكن..
«أما صواعقُ الإرهاب الخبيث فـي فلسطين الحزينة وفـي سواها عبر هذا الكوكب العجيب فقد أمست وأصبحت (وجبة إخبارية يومية) تُوقِرُ الآذانَ بسَماعها، وتُسْقِمَ الأفئدةَ بتكرارها، وتُشوّه الأبَصَار بمشاهدها !
* * *
«حقاً .. إنه زمن العجائب .. (... كل ما قلت هَانَتْ جَدَّ علمٍ جديد) كما قال شاعرنا المبدع الكبير سمو الأمير خالد الفيصل في رائعته المحفورة في ذاكرة الزمان !