أ. د.عثمان بن صالح العامر
شخصياً اعتبر نفسي محسوباً على أسرة الجزيرة، ومنتظماً ضمن منظومة الكتاب الذين يدينون بالفضل بعد الله لسعادة الأستاذ خالد المالك شخصياً، فهو من اكتشفهم ودعمهم ورعاهم وما زال، ولذلك لم يكن لمثلي أن يكتب مباركاً «لأبي بشار» حصوله على جائزة، أو تشرفه بالتكريم والاحتفاء من شخصيات اعتباريه مرموقة، أو مؤسسات رسمية ومدنية محلية ودولية معروفة، لأنني باختصار حين أسطر ما أكنه بين الحنايا عن هذا الرجل - إن استطعت إلى ذلك سبيلا - أمتدح نفسي واحتفي بها.
اليوم أجدني مجبراً على الكتابة عنه وله، لأن الموضوع لا يتعلق بشخصه بل هو ذو صلة مباشرة بالهم الوطني المناط بذمة الجميع والجاثم على صدر الصغير والكبير، ومن بينهم بل في الصف الأمامي منهم شريحة المثقفين والمفكرين، الذين إن عدوا اليوم فخالد المالك على رأسهم وفي طليعتهم.
لقد استضافت قناة DW في برنامجها «كوادريغا» الذي يقدمه الإعلامي المعروف «أحمد عبيدا» مساء يوم الجمعة الماضي ثلاثة من المفكرين:
* د.أحمد محمد الذي عرفه المقدم بأنه الخبير بالشئون السياسية والاقتصادية.
* د.أحمد بدوي الذي عُرف بأنه الباحث والمحلل السياسي.
* الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة السعودية.
وذلك من أجل الحديث عن موضوع مستفز وملغم «علاقة السعودية بالغرب.. صداقة زائفة»!!.
عرض البرنامج - في محوره الثاني - تقرير وكالة الاستخبارات الألمانية الأخير الذي يشخص الأوضاع السياسية في المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن، ويحاول الاقتراب من الرؤية الاستشرافية للمنطقة في المدى المنظور على الأقل!!، و مع أن هناك تحاملا كبيرا على المملكة العربية السعودية في كثير من المواضع محل الحوار ، على الأقل من قبل «د.إبراهيم محمد»، إلا أن الثقافة السياسية العالية، والحضور الواعي، والخبرة والدراية، والمران والمراس، للأستاذ المالك جعلت المستمع المنصف يستبين الحق الذي لا مرية فيه ولا جدال.
لقد استمتعت بمشاهدة اللقاء الذي يكشف لك سيل الشبه التي تثار هنا وهناك، والذي استطاع فيه المالك أن:
* يحدد هوية المملكة العربية السعودية بأنها: «دولة إسلامية بكامل سكانها، تحتضن الحرمين الشريفين ، وهي قبلة المسلمين ، والحكم فيها للشرع الإسلامي».
* يبين حقيقة الوهابية - كما ينعتها البعض - فهي حركة إصلاحية في فترة زمنية معروفة ولها دواعيها ومبرراتها التي لا تخفى، وليست مذهباً مستقلاً كما يقال عنها من قبل بعض المفكرين والمثقفين العرب والغربيين.
* يدافع عن الخطاب الديني في المملكة العربية السعودية ، فهو ليس متعاطفاً لا من قريب أو بعيد مع الإرهاب أياً كان شكله ومهما كانت دواعيه، ففتاوى سماحة المفتي ،وهيئة كبار العلماء، وخطب الدعاة والوعاظ تنبذ الإرهاب وتحذر منه.
* يشخص بكل دراية وحذق مشكلة المثقف العربي خاصة أولئك الذين يعيشون في بلاد المهجر ، فهم يكتبون ويتحدثون عن المملكة العربية السعودية بالذات والأحداث الجارية في اليمن بعد اطلاعهم وقراءتهم تقارير استخباراتية سُربت لصحف معروفة لها أهدافها وتوجهاتها التي لا تخفى ، ومع كثرة المراس والتكرار يتشرب هذا المثقف أو ذاك ما يقال - شعر بذلك أو لم يشعر - وربما جزم أن ما وصله هي الحقيقية المطلقة ،مع أن هذا المثقف المهجري غريب عن بلادنا السعودية ولا يعرف واقعها، وربما لم تطأ قدمه المملكة يوما ما ولا يعرف عنها إلا أنها دولة من دول النفط تقع فيما يعرف بالشرق الأوسط وتدور حولها الأحداث هذه الأيام.
* يبين المالك مواطن القوة للمملكة ، نافياً ما تفوه به أحد المشاركين بأنها تعيش أزمة صعبة جراء التسرع في اتخاذ قرارات مفصلية .
* يفند مزاعم القائلين بإمكانية التقاء السعودية وإيران ،فالإيرانيون لا يريدون ذلك مع كثرة الجهود التي بذلت من قبل .
* يستنطق التاريخ ويسترجع الاحداث التي تدلل بالبراهين القاطعة كما هي الجهود التي بذلت من السعودية لاحتواء المراهقة الايرانية، فكانت شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ،وشخصية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ، وشخصية صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمهم الله جميعاً حاضرة بقوة في معرض الحديث عن الجهود المبذولة لاحتواء وتيرة التأزم في العلاقات السعودية - الإيرانية.
* يحلل الموقف الإيراني التوسعي في المنطقة ،ويحدد معالم الدور الريادي والقيادي السعودي لمواجهة هذا المد الخطير الذي يريد أن يبتلع بلادنا العربية «بدأ من العراق ثم سوريا وحاول الوصول لدول مجلس التعاون الخليجي وأخيراً ولى وجهه شطر اليمن عن طريق الحوثيين الذي هم صنيعة إيرانية بلا شك، بل لم تسلم من شرها أجزاء داخل المملكة العربية السعودية وللأسف الشديد».
* يرد على قول القائلين باندفاعية السياسة السعودية وعدوانيتها في عهدها الجديد جراء تسنم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي ولي العهد!!!، فهو كما قال د.إبراهيم - استناداً إلى التقرير الألماني محل التحليل - « ليس على دراية بالحياة السياسية»!!!، وهذا مجرد افتراض لا أساس له من الصحة وعار عن الدقة ،فالمرحلة والظروف والتحديات هي ما أوجبت على القيادة السعودية المواجهة والاندفاع ، والقارئ في الحال العربية والوضع في الشرق الاوسط والتحديات التي تواجهها السعودية اليوم جزماً سيغير هذا التصور الذهني لديه.
* يحدد المخاطر المتوقعة في المرحلة القادمة لو اتبعت المملكة سياسة أخرى تلك التي يطالب بها الطابور الخامس ظناً منه أنه «ناصح محب» وهو في الحقيقة يضلل ويتحدث في المنطقة الخطأ.
شكراً لأبي بشار ، شكراً من الأعماق لكل وطني مخلص وصوت إعلامي صادق، وقلم مدافع ومنافح.. ودمت عزيزاً ياوطني وإلى لقاء والسلام.