أمل بنت فهد
عندما تدعي أنك تعرف فلاناً من الناس ولم تجربه في وقت الغضب.. ووقت الهزل.. ووقت السفر.. وعند الخصومة والجدل.. فأنت ما عرفته.. ولا تدرك من شخصيته أكثر من قناع يخفي خلفه ألف قناع آخر.. بالطبع كلنا نلبس الأقنعة والفارق متى وكيف ولماذا نلبسها؟ وهنا يمكن أن نصنف الأقنعة ما بين قناع نبيل وآخر دنيء.. قناع إجباري وقناع مصلحة....إلخ وكل قناع يخفي خلفه غاية.. وما أكثر الغايات.. قد تصدمك تفاهتها أو تبهرك قيمتها.. وحديثنا ليس عن الأقنعة رغم أنها مثيرة وتستحق أن نفهمها لتعاملنا معها ليل نهار.. ومع أقرب الناس ومع أنفسنا.. حتى الإنسان قد يلبس القناع أمام ذاته.. كله في سبيل الغاية السامية أو الدنيئة.. والرغبة الطاهرة والممكنة أو المحرمة والمخجلة.
في منطقة الخصومة مهما كان مستواها.. مناوشات لطيفة أو شرسة عنيفة.. يتكشف وجه الوغد من الشريف.. فالشريف حتى وإن انتقل من مكانة الصداقة إلى العداء.. يعي جيداً أن الأسرار التي دارت في وقت الأمان والبوح مقدسة ولا تهتك مهما كانت الظروف.. ومهما كان مستوى الأذى.. ومهما كان عمق الألم.. تبقى حيث دفنت لا يشير إليها ولو تلميحاً.. بينما الوغد يجمع الأسرار في حقيبة الأسلحة الرخيصة.. فهي الخطة الثانية ليدافع عن نفسه.. أو يستغل الوضع لصالحه.. أو ليبرر أفعاله.. وحتى دون سبب.. عدا أنه مريض وغير كفؤ للعشرة والتعاطي الآدمي.
بالطبع كل هذا نعرفه جميعاً.. لكن ما أريد الوصول إليه نقطة مهمة تغيب عن الوغد وكذلك لا ينتبه لها المصدوم من هول المفاجأة لحظة يرى أسراره مسفوحة أمام المارة.. كأن ثيابه تخلت عنه في جمع غفير.. وبات عارياً لا يدري ماذا يخفي والعيون تخترق جسده.. الذي يحدث أن الوغد في اللحظة التي يكشف أسرار الآخر.. وينسف تاريخه.. في محاولة لنيل النصر.. هو يخسر ما هو أهم من كل هذا.. فأول الخسارة فقد الاحترام والهيبة.. فما اللعب بالأسرار والتهديد بها إلا سلوك أهوج لا يقبل حتى من طفل.. وسرعان ما تنكشف غايته ويعرف من حوله أنه إنما ينال ممن كان يوماً ما صديقاً أو شريكاً.. ويفقد ثقة الآخرين به للأبد.. فمن استطاع أن يخون الأسرار مرة.. يمكنه أن يخونها مرات ومرات.. فالوغد لديه مشكلة أزلية.. فهو لا يفرق بين الحقائق والأسرار.. بين التحقيق في جريمة والخصومة مع من كان شريكاً له أو صديقاً.. أكلوا حيناً مع بعضهم وتعاطوا ما تعاطوا بينهم وأمنوا بعضهم.. فلا يمكن للشريف أن يخذل من منحه الأمان ويروعه بأوقات كانت تعد الأجمل يوماً ما.. والكارثة التي لا ينتبه لها الوغد عادة.. أن جزءاً من الجمهور سيتعاطف مع المفضوح على حين غفلة منه.. وربما يتحول بأيديهم إلى ضحية أو بطل.
لذا قبل أن تغامر بهتك الأسرار تذكر أن المساس بالمقدسات.. عادة ما يخلق لك أعداءً وانفجارًا يرمي في طريقك أحجاراً تفوق حجمك وقدراتك.. فلا تدفن نفسك بنفسك.