أمل بنت فهد
لا شك أن انفلات الأمور من يدك.. وانزلاق التحكم من سيطرتك ومعاكسة النتائج لتوقعاتك وقت مرعب لا تكفيه الكلمات لتشرح حجم الخوف والتذبذب الذي يحدث.. لأنك تخرج من مرحلة فقد السيطرة.. إلى مرحلة التحكم في فقد السيطرة.. بمعنى تقليل الخسائر قدر الإمكان.. والبحث عن الناجي من حظك الغارق في الكارثة.. ولملمة شتات ما تبقى منك.. ليبقى لديك ولو أمل مريض ومتهالك يبقيك قيد التنفس على أقل تقدير.
فلا تدخل حالة الصدمة كأن ما حدث كان مُفاجئاً وأكبر من قدرتك على التحمل.. فأغلب الكوارث الشخصية لا تأتي دون سابق إنذار.. ولا تخلع بابك وتداهمك.. إنما تمطرك بالمؤشرات مرة بعد مرة.. وتعلن عن نفسها بوضعيات وأشكال عدة.. إلى أن تصل مرحلة الانفجار وبالطبع تختار أن تنفجر بين يدك وفي أكثر أوقاتك هدوءاً واسترخاءً.. لذا هي تشلك حرفياً.. وتدمرك وأنت لاتزال تحت تخدير الدهشة وفي أضعف مراحل الاستيعاب.. ضائع بين رثاء الذات ووقع التمرد على وفاء وتبعية كنت تراهن عليها وبشاعة سقوط الأقنعة.. كالحرب التي تنقل البشر من الأمان إلى الخوف بسرعة خاطفة.. لا يسعهم الاختباء وتدبر أمرهم ولا مغادرة أماكنهم دون أن يدركهم العدو.
على سبيل المثال لا الحصر لحظة تقع في أزمة مالية.. هل تظن أنها غافلتك وأمسكت بك وابتلعت أقدامك تمهيداً لتحطيمك؟! بالطبع لا.. لكنها أخبرتك عندما كنت تبعثر ميزانيتك لعيون «الهياط» الطفولي الذي يغشاك في لحظات كان لابد أن تعرفها وتفهمها.. وتدرك أنها لحظة ضعفك الخاصة والتي تسلبك تعقلك.. أخبرتك عندما بدأ رصيد الأزمات يتناقص في غير أزمة.. أخبرتك عندما يختفي راتبك ولا تدري فيما صرفته.
وفي أزمة زيادة الوزن ودخولك حالة الاكتئاب وبداية الحرب مع جسدك.. هل تعتقد أن هذه الدهون تراكمت بين ليلة وضحاها.. هل تعتقد أن جسدك تآمر عليك وأفسد ثقتك بنفسك.. لقد أخبرك ألف مرة وأنت تقوم من مائدتك ويكاد التنفس يفر من ضيق الامتلاء.. أخبرك وأنت تهجر ملابسك القديمة لأنها لم تعد قادرة على احتواء تلك الشحوم التي تضخمت بفعل الكسل واللا مبالاة.. أخبرك وأنت تشعر بأمراض السمنة تزحف على أجهزتك الحيوية وتنذرك باستعمار قادم.
وعليها قس كوارث شخصية أخرى.. تمرد ابنك أو انخراطه في تنظيم عابث.. نهاية علاقة.. تدهور وظيفي.. أزمة صحية وغيرها.. المهم فيها يقظة التنبه للمؤشرات.. فهي الفترة الزمنية التي يمكنك فيها أن تتدخل وتصلح الأمور وتعالجها.. هي بوادر وقوع الأزمة.. وقبل فقد السيطرة.. بينهما ولا تخرج عنهما.. قبلها أنت مرتاح وفعلاً الأمور بخير.. وبعدها أنت في قلب الحطام حائر ضائع.