أمل بنت فهد
ماذا يزعجك من الحياة؟.. قسوتها أم واقعيتها التي تحكي ألف خيبة في كل مرة تتجاهل فيها المسافة بين الواقع والأحلام.. بين الإمكانيات والقدرات.. بين ما تريده أنت وما يريده غيرك.. بين الأماني والجهد.. خصام دائر قد يهدأ حيناً لكنه يشتعل بعد هدوئه ليكون أسوأ ويسرق في كل مرة شيئاً من إشراقك.. وقليلاً شهيتك.. وبعضاً من إيمانك.. لذا تجد نفسك غير نفسك التي عرفتها من قبل.. مثل عوامل التعرية تأخذ أزماناً طويلة لتنحت.. وتنقل.. لكنها حتماً تحدث تغيراً في الأمكنة رغم بطء عملها.
الحياة أقصر من أن تضيع الوقت في الندم على أي تجربة مررت بها واخترت ما اخترته.. فالندم غالباً محاولة بائسة لتثبت أن ضميرك حي.. ويصبح كارثة إن حبسك في منطقته العمياء.. لها باب لكن ليس لها مخرج.. متاهة تقتات على كثرة دورانك حول نفس الألم.
سأخبرك عن تكتيك بسيط تهدم به حصون التجارب المخزية.. والمؤلمة.. والتي شعرت خلالها بالعجز والعار.. أتعرف معنى أن تكون أنت أول من يسخر من القصة كلها؟.. فالمزاج الساخر قادر على تفتيت صلابة وجع الذكريات.. فأنت وحدك من يبقى يتذكر تفاصيل الخجل والإحراج والألم.. كل الشهود ينتابهم النسيان.. لأن البشر عادة تفقد اهتمامها بالفضيحة الأولى حال توفر ضحية جديدة.. وحدث ساخن.. وخبر مفجع.. هكذا الجماهير بذاكرة مخمورة تفقد اهتمامها مع كل كأس يدار.. والكؤوس هي الفضائح أيها الطيب.. فلست بحاجة لإثبات شيء.. أو تبرير عثراتك.. فقط اتركها للوقت.. المهم أنت كيف تخرس الشاهد الذي يسكنك ويعيد عليك ذنوبك.
مررت بتجربة مرة لا شهود فيها تخشى ذاكرتهم.. تقبل أنك كنت تسير بسرعة واصطدمت بحائط لم تحسب حسابه.. اضحك من منظرك مرتداً ومتدحرجاً بإصاباتك الملونة.. اضحك ملء صدرك وامض أعرج حتى تشفى تماماً.. اخترت كان اختيارك أغبى من أن تتحمله.. وليكن.. اسخر منه.. واضحك وخذ الدرس سراعاً واعرف أين كانت نقطة ضعفك التي تدفعك نحو التنفيذ دون تفكير.. تلك النقطة التي لن تعرفها إلا باختيار غبي وغير مدروس.. نقطة حرجة تتعلم منها كيف تحترم ضعفك قبل أن تحمي نفسك منه.. عوضاً عن شعور بالندم يغيبك عن معنى الاحتفاء بالأخطاء.. ذاك الوضع الذي تقابل فيه ذاتك وجهاً لوجه.. تعرف أين تكمن رغباتك التي لا تقاومها.. رغباتك التي تثير حماسك وتترك تغلي نشوة حتى تنفد دون تردد.. رغباتك التي تقفز حواجزك بخفة اللص.. رغباتك الأعمق.. رغباتك التي تسحبك من نفسك دون أن تدرك.. جوع مفاجئ لا يقوى على الصوم.. يتركك بعد أول لقمة من فاكهتك المحرمة.. لا أحد معك غير صديقك الأسوأ «ندم».
فانهِ خصامك مع الحياة.. فلا هي تؤمن بالخيال.. ولا أنت تتوقف عن التّمني.. جد بينك وبينها صلحاً أو صداقة إن استطعت.. المهم.. لا خصام.