أمل بنت فهد
بعض النكد والمنغصات صديقة وإن بدت في ثياب العدو.. تقتحم وضع ما في حياتك وتطرد راحة البال والهدوء والطمأنينة.. قاسية وإجبارية تغلق في وجهك الأبواب إن حاولت التفاوض معها كي ترحل عنك وتعتقك من سيطرتها.. تمنعك من الحلول.. في وضع وظيفي بات من المستحيل أن تحرز فيه تقدمًا أو تجد نفسك فيه.. في علاقة مع آخر تقطعت خيوط التفاهم بينكما وتلاشت.. في مكان استعر وصار جمرًا لا يسمح بالاتكاء أو البقاء.. حصار خانقًا وكل يوم يضيق كأنما ينتظر انقطاع أنفاسك.
هذا ما يبدو وأنت داخل قبضة النكد.. أتعرف ماذا يفعل الإنسان عندما تمسك رأسه وتغرقه في الماء وتمتحن صبره والموت قريبًا منه؟ تلك اللحظة الفاصلة بين آخر شهقة يمكنها أن تنهي حياته وآخر قوة يمكنه أن يستدعيها ليقاوم ويخلص نفسه.. هي نفسها تلك اللحظة التي يتمكن فيها النكد والمنغصات من إجبارك على وضع حد لمعاناتك.. هي اللحظة التي تدرك فيها أن الصبر والتفاوض وإيجاد الحلول والتسويات عبث وسذاجة.. هي اللحظة التي تعرف فيها أن المكان لا يسعك.. هي خطة الحظ إذا خطب ودك وانتظرك في منطقة النجاح والتمكين التي لم تبحث عنها وانشغلت عنها بمحاولة إنعاش فرصة ماتت.
وإن عدت بذاكرتك للوراء قليلاً أو كثيرًا ستجد أن التغيير أحيانًا لا يكون اختيارًا.. إنما جبريًا بعد أن تضيع وقتك في التشبث بخسارة وخذلان معتمدًا على ظنونك الطيبة طبعًا.
صداقة النكد تكمن في قسوته ودفعك رغمًا عنك لترى طريقًا آخر.. ووظيفة أخرى تستحقك.. وتعاشر إنسانًا يناسبك غير من كان يدمرك.. وصديقًا يأخذ بيدك خلاف من ظننته صديقًا وهو العدو.. النكد صديق يطردك بصراحة ووقاحة من أرض الخيبة.. النكد يخيرك بين الموت أو الحياة.. لا وجود لنصف حياة أو نصف موت.. النكد آخر صديق يمكنه أن يقول لك الحقيقة بقسوة.. لن يربت على كتفك.. أو يشرح لك السبب.. إنما يقول بحضوري لا مكان للسلام.. حضوري نهاية وقتك الضائع.. وجهدك المهدور في المكان الخطأ.
لذا إن لم تعرف بنفسك أن وضعك يحتاج تغييرًا.. ستعرفه بقوة النكد.. إن لم تفهم أن فلانًا من الناس لن ينفعك.. سيعريه النكد.. إن لم تدرك أن قدراتك تفوق المكان الذي حصرت نفسك فيه.. سيجبرك النكد لترحل.