أمل بنت فهد
الأحداث العارضة.. والعثرات غير المتوقعة.. والخيبة المفاجأة.. كلها لا توازي الاعتياد.. تلك المنطقة المترفة بالتعود والراحة والروتين والأمان.. المنطقة الفخ التي تعتقل الإنسان وتشل محاولات التغير والانطلاق.. منطقة التأجيل كأنما تعد بأبدية الحياة والصحة والشباب.. ما أن يغادرها قليلاً إلا ويعود إليها عاشقًا أكثر من الأول.
وتكون أكثر خطورة إذا صادفت معتقدًا عميقًا.. ينبذ أي آخر ويعتبره دخيلاً غير مريح.. ومثيرًا للريبة والشك.. هنا تتوقف الحياة تمامًا.. لا جديد.. ولا تغير.. ولا نشوة.. ولا تجربة قادمة.
يكون الرفض رد فعل دفاعي تلقائي.. يعمل بنفسه دون محاولة التفكير حتى.. إنما إجابات جاهزة ومعلبة ومصنفة.. لا يخرج عنها أو منها.
وأغرب ما فيها أن الإنسان يرفض أمرًا ما ويحكم عليه دون أن يعرفه.. أو يجربه.. أحكام مسبقة لم تعرف يومًا لذة الشك والبحث والتجربة.. ولن يدري أين تكمن لذته وشغفه.. ولن يتعرف على نفسه البتة.. لأن شهيته مبنية على شهية غيره.. إن قبلها خاض فيها.. وإن كرهها تجنبها!
لن يعرف من براح الاختيار وحريته شيئًا.. إنما سيحارب من يحاول أن يفك قيده.. قيد الفكر والعاطفة.. سيعيش ما بين رغبات لم تشبع.. بل ليست محل نقاش.. وما بين تأنيب الضمير وجلد الذات.. سيعيش اضطرابًا.. لأن الرغبات عالم متلون وغامض.. تجاهله لا يلغي وجوده.. وثرثرته لا تتوقف عن التعبير عن وجودها ولو همسًا.. ولو خيالاً.
القبول والرفض إن لم يكن من واقع اختيار فردي محض.. لا تدخل فيه من سلطة عُليا.. فهو كذب على النفس وتزوير.. وتشويه للغرائز.. وما يسكت عنه في الظاهر.. لسوف يمارس سرًا ببشاعة الجوع والأخذ حد التخمة دون توقف.. دون معايير ودون تنظيم ودون قانون.. فوضى السرية والظلام والزوايا القصية.. ويعقبه صباح المحاسبة.. كأن الوجوه كلها تشهر في وجهه خطيئة الليل.. من هنا يولد عربيد ومنافق.. وآخر يمارس الوصاية على خلق الله خوفًا عليهم من خطيئته هو التي اقترفها ولم يدر عنها أحد سواه.. ويأتي آخرون يحاربون شرهم من خلال البشر.. ويفتكون بحياتهم لأنهم يحكون ذات الصراع الذي يشعرونه.. يطهرون الدنيا من خطاياهم بذبح الناس.. والتدخل في حياتهم.. وفرض الرقابة وحماية السماء.. يريدون باختصار بشرًا لا يفعلون مثلهم.. تراكمات الخطيئة التي لا يدري عنها أحد.. تعمم على جموع الخلق تكفيرًا وظنًا منهم أنهم تابوا يوم أزهقوا أرواح المختلفين عنهم.. الخارجين عن منطقة الاعتياد.