جاسر عبدالعزيز الجاسر
بكل المقاييس تُعد مأساة حريق مستشفى جازان كارثة تكشف المدى الكبير للإهمال المستشري في كثير من المرافق العامة والخاصة، فالإهمال في تطبيق شروط السلامة لا يُمكن إخفاؤه في كارثة حريق المستشفى، المكان الذي يقصده المرضى للعلاج ليُواجهوا مصير الموت، ومن لَطفَ به الله يحصل على إضافات أخرى لما يعاني من أمراض.
نحن هنا، وإن كَوَتنا المأساة بألم وحزن شديدين، ولا نريد أن نسبق نتائج التحقيقات التي ستتم للوقوف على أسباب هذه المأساة، إلا أن هناك العديد من الوقائع والحقائق التي لا يُمكن تجاهلها والتي تُؤكد بأن القائمين على هذا المستشفى لم يكونوا على قدرٍ من المسؤولية لإدارة مرفق أُقيم وأُنشئ لعلاج الناس، وليس لقتلهم.
تقول المعلومات إن مديرية الدفاع المدني في منطقة جازان قد وجّهت خمس عشرة ملاحظة على إجراءات السلامة في المستشفى، وأن تلك الملاحظات لم تُعالج حتى وقع المحظور.
هذا القول إن صحَّ، فإنه لا يعفي إدارة الدفاع المدني في المنطقة وبالتحديد إدارة السلامة، فالمفترض أن لا يقتصر دور الدفاع المدني على تحديد نواقص السلامة، بل المتابعة لعلاج ذلك القصور، لأن الموقع ليس مكاناً عادياً، فهو مكان لتلقي العلاج والأهم أنه المستشفى العام، أي أهم المستشفيات في المنطقة، وبما أن لمستشفى جازان العام سجلاً حافلاً بالمخالفات والتي وصلت إلى ديوان وزارة الصحة، ولكل الدوائر المسؤولة سواء في المنطقة كالدفاع المدني، فكان المنتظر أن تحرص إدارة الدفاع المدني على رفع أمر تردي السلامة في المستشفى إلى إمارة المنطقة لاتخاذ إجراءات حازمة وفورية، وأن يتم إجراء تجربة إخلاء في هذا المستشفى القاتل، لا أن ننتظر مقتل 25 إنساناً جاؤوا لتلقي العلاج، فذهبوا ضحية الإهمال.
نعم، الإهمال المتهم الأول لما حصل في مستشفى جازان العام، ولكن مَنْ هو المسؤول عن هذا الإهمال.. هل هي إدارة المستشفى التي لم تُكلف خاطرها بإصلاح جهاز الفاكس العاطل عن العمل في مكتب المدير المناوب؟.
ومَنْ هو المسؤول عن إغلاق مخارج الطوارىء في المستشفى وقفلها بسلاسل حديدية خوفاً من استعمالها من قِبل الموظفين قبل نهاية عملهم؟.
مستشفى لا تثق إدارته بموظفيه، فكيف يثق الناس والمراجعون من مرضى بهم، وبهذا المستشفى الذي يتداول أهل جازان العديد من القصص التي تكشف المدى الكبير من الإهمال الذي تغلغل فيه.
طبعاً، ستبدأ إجراءات التحقيق، وكل جهة ستحاول تبرئة مسؤوليتها، إلا أن المهم أن يكون ما حصل في مستشفى جازان العام درساً وعِبرة لباقي المستشفيات والمؤسسات الخدمية والتعليمية والإيوائية الأخرى، وأن يصدر نظامٌ يُجرِّم كل جهة حكومية أو أهلية لا تنفذ إجراءات السلامة التي تصدرها مديريات الدفاع المدني، والتي يجب منحها حق رفع دعاوى قضائية أمام ديوان المظالم والمحاكم المختصة لمقاضاة كل من يرفض أو يهمل تنفيذ طلبات إدارات السلامة في مديريات الدفاع المدني، وبالأخص في المطارات والمستشفيات والمدارس والجامعات والأبراج السكنية والفنادق، وحتى منازل المواطنين.
يبقى شيءٌ لا بد من التنويه به والإشادة بما قام به أهل جازان وشبابها الذين تطوعوا وعملوا مع رجال الدفاع المدني بإنقاذ العديد من المصابين، فلولاهم - بعد الله - لكانت حصيلة المأساة أكثر بكثير.