جاسر عبدالعزيز الجاسر
يعتقد الكثيرون ممن تلقوا خبر إنشاء التحالف الإسلامي العسكري، أن العمل ونشاط الدول الآخذة بالتزايد التي تعدى عددها الخمس والثلاثين، بعد طلب انضمام أذربيجان وطاجكستان، وأن جهود هذه الدول سينحصر على التحالف العسكري، ومن خلال تنسيق العمليات العسكرية والمشاركة بإرسال جيوشها، وحصر ذلك في نطاق المفهوم العسكري، إلا أن هؤلاء لم يلحظوا ما أوضحه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن التحالف الإسلامي العسكري وأسهب في الحديث عن مسارات التحالف التي لا تقتصر على الجوانب العسكرية، بل ستشمل معالجة الجوانب الفكرية والخلافات المذهبية والتوظيف الإعلامي المثمر لمعالجة التجاوزات التي تعمّق الكراهية وتعجز عن تحسين الصورة النمطية للإسلام والمسلمين من قبل الدول الغربية، مما أدى إلى اتساع مساحة فوبيا الإسلام.
إشراك الفكر والإعلام بمحاذاة العمل العسكري الذي تحدث عنه الأمير محمد بن سلمان لم يأت من فراغ، بل من إسهامات رجال الفكر والإعلام الذين صاغوا استراتيجية لعمل التحالف العسكري الإسلامي؛ إذ إن محددات العمل وبالذات العمل الإعلامي لا يجب أن تترك للمبادرات الفردية ولاجتهادات شخص، مهما بلغ من مستوى عال من المهنية والتفوق، إذ لا بد أن يصار إلى وضع ميثاق منهجي في مكافحة الإرهاب عبر منصاته الحديثة وأدواته التقليدية من إعلام مقروء ومرئي ومسموع.
ولعل من أهم ما يتضمنه الميثاق المنهجي الإعلامي هو ما يجب مواجهته، وهو تبريد المنصات التي يشتم منها رائحة الكراهية والعنف بكل أشكاله وليس فقط التطرف المذهبي والديني بأطروحات فكرية عبر محددات سليمة وواضحة، تخاطب عقول المتلقين وليس عواطفهم.
وما يجب أن يتنبه إليه واضعو التحرك الإعلامي والفكري لمواجهة تفشي الإرهاب وتحصين عقول وأفكار الشباب، هو التفريق بين حجب الأفكار المتطرفة وإشاعة الكراهية وبين ممارسة القمع الفكري وحجب المعلومات المفيدة، من خلال وضع أنظمة وقوانين تحد من حرية الفرد في التمييز بين الخير والشر؛ إذ إن هناك ثمة خيط رفيع بين حرية الرأي الصادق والنظيف والدخول في أتون حملات التحريض الموصلة إلى وحل الإرهاب والاقتناع بممارسته لفرض فكر لا يشاركك الكثيرون في تبنيه، إذ إن هناك ثمة دعوات مندسة بين الحين والآخر في ثنايا حملات مكافحة الإرهاب تسعى وتشجع وتدعو إلى خنق الآراء الحرة، متناسين أن إطلاق الحرية المسؤولة من قبل أفراد متمكنين وجهات تعرف ما تقوم به، هو ما يجب التوسع فيه لمواجهة (بروكندا) داعش الجماعات الإرهابية في كلا المكونين المذهبين.
وهو الدور المفترض أن يؤديه الإعلام الحر الصادق حتى يكون شريكاً فاعلاً لمواجهة الإرهاب وجعله مقبولاً وأكثر مصداقية، ولهذا وبدلاً من أن نحاصر ونضيق عليه يجب تقويته وتمكينه من تأدية دوره بكل فعالية بتزويده بالمعلومات الصادقة، وجعله قادراً على الوصول إلى الحقيقة حتى يكون إعلاماً صادقاً مع من يوجّه رسالته لهم.