جاسر عبدالعزيز الجاسر
بالرغم من رفض الشعوب وأصحاب الضمائر الحية ما يقرره ويتخذه القادة المستبدون والذين يقودون بلدانهم بآراء مستبدة ويشنون الحروب على الدول الأخرى، إلا أن تلك الدول وحتى مراكز الأبحاث تتعامل مع مواقف تلكم الفئة من الدكتاتوريين بوضوح وتفهم، لأن ما يعلنونه تقريباً هو ما يتخذوه من إجراءات ومواقف هي في معظمها صادمة إلا أنها على الأقل متوقعة ومفهومة قياساً على الفكر الذي يستند إليه حكمهم، على عكس القادة الذين يقولون غير ما يبطنون. في منتصف القرن الماضي قدَّم أدولف هتلر مستشار ألمانيا نموذجاً صارخاً لهذا «الغش السياسي» - إن صح التعبير - ففي الوقت الذي يرسل فيه وزير خارجيته إلى الدول الأخرى تكون قواته جاهزة لاجتياح تلك الدول، فما أن يغادر وزير خارجيته حتى تجتاح جيوشه أراض تلك الدولة.
الآن تغيرت الأساليب وإن ظل خيار التهديد بالحرب قائماً ويسير جنباً إلى جنب مع جهود الدبلوماسية، كما استبدلت أساليب إرسال رسائل التهديد عبر وزراء الخارجية أو المبعوثين بالمباحثات، ومنها المفاوضات التي تجري أغلبها عبر قاعات مغلقة وخلف أبواب موصدة، ليس بالضرورة يُقال داخلها ما يصرح به خارجها نفسه، إذ غالباً ما يتخذ داخل قاعات التفاوض من تفاهمات هي في غالبها صفقات تؤمن مصالح كبار المتفاوضين على حساب الشعوب.
هذا الأسلوب من الصفقات والمقايضات ظهر بوضوح في مفاوضات الملف النووي الإيراني الذي قايض به الأمريكيون ما يريدونه في المنطقة على حساب المصلحة العربية العليا، ويتكرر الآن في معالجة الأوضاع في سوريا.
وفي هذا السياق قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية «إن إدارة أوباما تقول علناً إن على الأسد الرحيل، أما في الكواليس وخلف الأبواب فهي تتبنى إستراتيجية تدعم بقاء الرئيس السوري في السلطة».
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم، إنه عندما وافقت واشنطن على استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن عملية السلام، لم يشر هذا القرار إلى الرئيس السوري بشار الأسد أبداً، معتبرين أن استسلام إدارة أوباما للمطالب الروسية والإيرانية يعني السماح للأسد بالبقاء في السلطة في المستقبل القريب.
وقال جوشوا لانديس، الذي يرأس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما للصحيفة إن حسابات البيت الأبيض تشير إلى أن العمل مع الأسد أقل سوءاً من البديل، وهو الذهاب إلى الحرب مع روسيا، أو إرسال عدد كبير من القوات الأمريكية لمحاربة «داعش» على الأرض.
وتواجه الإدارة الأمريكية انتقادات لاذعة من مشرعين في الكابيتول هيل، والعديد منهم يقول إن البيت الأبيض ليس لديه إستراتيجية واضحة لدحر المجموعة الإرهابية المعروفة باسم «داعش».
وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن ذلك أثر على الحملة الانتخابية الرئاسية وأحدث انشقاقاً، حيث ساندت هيلاري كلينتون إعلان المتنافسين الجمهوريين جيب بوش وكريس كريستي في التأكيد على أن الإطاحة بالأسد مسألة لا نقاش فيها.
وذكرت الصحيفة أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أفاد بأن موقف جون كيري حول هذه القضية لم يتغير منذ أكثر من عام، علماً بأن كيربي قال قبل عام ونصف العام إن الأسد فقد شرعيته وعليه أن يغادر السلطة.
وبينت الصحيفة الأمريكية أن وزير الخارجية جون كيري أظهر الكثير من المرونة بشأن هذه المسألة في الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أن كيري قاد حملة مع مؤيدي الرئيس السوري، في إشارة إلى روسيا وإيران، لوضع خطة لعملية السلام مع المعارضة السورية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وقالت الصحيفة إنه عقب لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، قدم كيري من خلاله تأكيدات بأن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يسعون إلى ما يسمى تغيير النظام في سوريا.
ولاحظت الصحيفة في ختام مقالها تراجعاً في خطاب البيت الأبيض في سياسته السورية، خاصة اعتقادها أن الأسد ليس مؤهلاً لقيادة سوريا في المستقبل، ولكنها تتفق مع بوتين على ضرورة تقرير مستقبله من قبل السوريين أنفسهم!!!.
والسؤال الذي يتداول في مراكز البحث الأمريكية والدول الإقليمية، منهم السوريون الذين يقصدهم بوتين، هل هم الزمرة الملتفة حول نظام بشار الأسد، أم الملايين الذين شردهم خارج سوريا وهجرهم داخل مدنهم التي هدمت جميعها تقريباً!؟.