رجاء العتيبي
يعطينا معرض الكتاب في الرياض وجدة مؤشر ارتفاع الوعي الاجتماعي بأهمية الكتاب، بدليل الإقبال الكبير على المعرض، ونسبة المشتريات العالية، وأهمية هذا المؤشر أنه يتكرر باستمرار في كل معرض يُقام هنا أو هناك، ما يعني أهمية الثقافة لديهم، فقد باتت لديهم قيمة عليا، وليست ترفاً أو منظراً أو بهرجة.
هذا الارتفاع في الوعي الاجتماعي، لم يقابله وعي متطور على المستوى الإداري والإبداعي عند الجهات المعنية بالثقافة، فما زالت الثقافة تدار بالأسلوب الروتيني (معاملات، أختام، وخطابات، صادر وارد، ميزانيات حولية، محاسب معه دفتر يومية، مسؤولين، مراتب وظيفية، مكاتب، ملفات، أرشيف ...).
هل هناك جهة ثقافية تدير أعمالها الثقافية (إلكترونياً) عبر مواقعها الإلكترونية الحيوية، عبر شبكاتها المنتشرة في أنحاء المملكة؟ هل هناك جهة ثقافية باتت قريبة من المثقفين والفنانين عن طريق القنوات الإلكترونية، أم أن الأمر يحتاج إلى زيارات المبنى والالتقاء بالموظفين وجهاً لوجه؟! هذي نماذج سريعة لأسئلة بحثية تحتاج إلى دراسة ميدانية لنرى النتيجة أمامنا بشكل منهجي وعلمي.
علينا أن نقتنع كمشتغلين بالثقافة والفنون أن وعي المجتمع ثقافياً بات أكبر من أجهزتنا الثقافية، وأكبر من وعي الموظفين لدينا، وأكبر برامجنا، وأكبر من طموحنا، فإذا كنا نعمل عبر ميزانيات محدودة، فإن المجتمع الذي تزخر به معارض الكتب يريدنا أن نعمل حسب طموحه هو، وحسب وعيه هو، ولا يرى في (واقعنا المالي والإداري) عائقاً، فترى الناس والمجتمع تلومنا في كل مناسبة نلتقي به بررنا أم لم نبرر، المجتمع لا يريد تبريراً ولا يريد بحوثاً ودراسات، يريد نتيجة عملية سريعة يشاهدها ويتفاعل معها فوراً.
ما زال معرض الكتاب يذكّرنا بأن الناس تطورت ووعت وباتت تقرأ كتباً في الإنترنت وتشتريها من أمازون وتحضر معارض الكتب محلياً وخليجياً وعربياً ودولياً، ولفرط وعيها لا يثيرها أي كتاب، ليس من ألّف كتاباً قرأه الناس، الناس تقرأ الكتب التي تستحق القراءة.
علينا أن نبحث عن صيغ مؤسساتية جديدة، تتواكب مع تطور الوعي، وتستجيب للأفكار الإبداعية والناس المبدعة، وتتواصل إلكترونياً مع الكل حيثما كان مكانه حتى لو كان في قرية نائية.