رجاء العتيبي
نتعجّب، أن تطوق المناشط الاجتماعية والثقافية والموسيقية والرياضية بأرتال من الجنود والعسكر والحواجز الأمنية حماية لها من (أعداء الحضارة)، وعلامة التعجُّب تكبر عندما نكون في القرن الحادي والعشرين، ومازلنا نرى أنّ هذه الأنشطة مستهدفة من جماعات متشددة دينياً، ترى أنّ إفشال مثل هذه الأنشطة (فرض واجب) عليها لاعتبارات أيدولوجية أو حزبية أو سياسية أو تعزيز موقعها في المجتمع.
الأمر لم يَعُد اقتحام منشآت ثقافية بهدف منع أنشطتها: محاضرات، موسيقى، تصوير، نحت، ولا الوثوب على خشبة المسرح لتكسير الديكور وطرد الممثلين، ولا اقتحام (لوكيشن) تصوير مسلسل تلفزيوني ..
إنما (الحالة) لها ما يماثلها عالمياً وإن اختلفت شكلاً وسبباً، حيث وصلت وطن الأنوار فرنسا، ونزل الجيش لحماية الأنشطة الرياضية الكبرى، وأعلنت بلجيكا حماية المقاهي، والأسواق والفنادق، ورفعت مستوى الإنذار الإرهابي للدرجة القصوى، ونزل الجيش في مالي إلى وسط المدينة لحماية المدنيين.
كيف يحصل هذا في ظل دول قائمة لها مكانتها الدولية، ومؤسسات حكومية اعتبارية تخدم المجتمع وتسعى إلى تنميته ثقافياً وفنياً ورياضياً وعلمياً، كيف يحصل في زمن بلغت فيه التنمية والحضارة مبلغاً لم يكن على مر العصور السابقة.
هل وكيف ولماذا: نضطر إلى حماية الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية والفنية بجيوش وعسكر ورجال أمن، أسئلة تتوه في أذهاننا، لا نعرف كيف نجيب، ولا نعرف كيف نصوغ السؤال، أما إذا تحدثنا فإنّ الإجابات تغرق في بحر من وجهات النظر المتضاربة، كناية عن (تعقيد) الحالة الإرهابية التي ما برحت تقلق العالم.
مجرّد أن تقتحم مكاناً آمناً بصورة (همجية) وتفرض على الأبرياء وجهة نظرك بحد السلاح، أو بالنفوذ الذي تملكه، أو انتقاماً من الحكومات، أو تعزيزاً لموقفك، فأنت تمارس (حالة إرهابية) أياً كان تبريرك، بدليل أنّ بإمكان أي شخص، أو حزب، أو تجمُّع، أن يعبر عن وجهة نظره (بالطرائق السلمية) تقديراً للإنسان، بعيداً عن إرهاب الأبرياء والمواطنين، وتجنباً لتحطيم قيم الحضارة والتنمية البشرية وإفساد ازدهارها وترويع الآمنين.