رجاء العتيبي
في لحظة عصيبة من الحياة السياسية, وفي فورة الصراع بين الفرقاء، وذروة التصريحات والقتل والدمار والحروب، يخالجنا شعور أنه بزوال المسببات تزول الشرور، ويعود الخير إلى أهله، ولكن الأيام أثبتت أن الشر باق، والأشرار يتوالدون، لا تنقطع ذريتهم ولا يبيدون.
كنا نعتقد أنه بهلاك هتلر، وموسوليني ولينين وميلوسوفتش وصدام والقذافي ... إلخ، سينقطع الشر، وسيعيش الناس في سلام، وستخلف الأسر صبيان وبنات، ولكن التاريخ أثبت أن بدل الطاغية عشرة طواغيت، وبدل الشر شرور، وبدل الحرب حروب، وأن على الأجيال أن تذوق طعم الويل والثبور، فكل جيل طاغيته في عالمنا العربي.
هل التاريخ حتمي، يأتي بهؤلاء الأشرار لا محالة، أم أن الإنسان يمكن أن يغير من حركة التاريخ؟ هل باستطاعته أن يعالج المشكلة، ويأتي بسياسيين خيّرين تسعد معهم البشرية؟ وما علاقة ذلك بالسنة الكونية التي جعلت من الإنسان كائناً مفطوراً على (الكَبَد)؟ أسئلة كبيرة ضاعت في غمرة تسطيح الحياة السياسية، وباتت مجرد أخبار متكررة، وصوراً متشابهة، وسياسيين متلونين.
ما زالت الشعوب تدفع الثمن، فريقان يتحاربان يعرف كل منهما الآخر، يموت بسببهم الشعب، ثم يتصالحان في النهاية ويذهب كل فريق بحصته، ثم ينتقلون إلى ملعب آخر ليعيدوا السيناريو ذاته، مع فارق التوقيت والمكان والناس.
أوروبا عانت من الطغاة ردحاً من الزمن، وذاقت ويلات الحروب، وقتل في الحرب العالمية الثانية 50 مليون نسمة، ولكنها الآن ترفل تحت مظلة (الاتحاد الأوربي) لا طغاة ولا حروب ولا قتل ولا دمار!! كيف حدث لها ذلك؟ هل يمكن أن يحدث للعرب ذلك؟ هل يمكن أن ينقطع نسل الطغاة؟ وتعود الحياة إلى طبيعتها؟
ربما أن (الوعي الحضاري) يبعد عنا سنين ضوئية، ليس تشاؤماً، وإنما حركة التاريخ تقول ذلك طبقاً لنظريات (نشوء الحضارات)، النشأة ثم النضج ثم الأفول، ذلك جعل أوروبا وأمريكا اللتين تعيان مثل هذه النظريات أن تحافظ على مرحلة النضج أطول فترة ممكنة، فبدلاً من أن يصنعها التاريخ باتت تصنع التاريخ، كدليل مشاهد على أن التاريخ ليس حتمياً، وإنما هناك أسباب يفعلها البشر ليعيشوا كما يريدون.
يمكن أن نعيش كما نريد، ويصبح الطغاة ماضياً تولى، إذا وصلنا إلى مرحلة (النضج الإنساني) فوصولنا إليه نتخلص فوراً من (حالة التوحش) التي يعيشها الكثير في عالم (السياسة) الطائفية، والمصالح الشخصية.
ومرحلة النضج البشري تعني أنك تحب لأخيك ما تحب لنفسك صدقاً وعدلاً وفقاً لكل الشرائع السماوية, وهي مرحلة لم نصل إليها بعد على المستوى الاجتماعي، أما على المستوى الفردي فيمكن أن تجدها هنا أو هناك، وعندما تكبر هذه القيمة وتصبح سلوك مجتمع، ينقطع نسل الطغاة.