أمل بنت فهد
اختلاف البشر وتفاوت فهمهم وتفكيرهم وثقافتهم يجبرك أن تتعامل مع المتناقضات ليل نهار.. أردت أم رفضت.. برضاك أم رغماً عنك.. كأنما تجرك جموع الجماهير وتسير خطواتك باتجاه التدفق البشري.. فإن لم تساير هذا التدافع فمصيرك مسحوقاً تحت الأقدام وإن رفعت الصوت.. واستخدمت كل قواك.. لن يسمعك أحد.. ولن تكون أكثر من مطب صغير سرعان ما يتساوى بالأرض وينسى.. بالطبع لم تكن المشكلة في مسيرة الجموع.. إنما أنت المشكلة.. واختيارك للزمان والمكان حماقة ظننتها جسارة وقوة.. فالحياة ليست مجرد معركة لتنتصر لأفكارك وتوجهك بأي ثمن وتفرضها على الآخرين.. حتى وإن ظننت أنك على الحق.. تبقى طريقة العرض ووقته ولمن يعرض ومدى جدوى العرض كلها أدوات مساعدة بيدك أو قنابل تفجرها بيدك أيضاً.
لا شك أن الإنسان يعشق الحرية.. حرية الفكر.. حرية التصرف.. حرية الخطأ التي يتبعها إلزامية التصحيح.. هكذا يتعلم ويكون لسقطاته معنى التجربة والخبرة.. ومن الذكاء أن يضع أمامه ميزان الخسارة والربح.. فعشوائية الطرح والفعل فوضى ليس لها مبرر.. وكما ترى القداسة في معتقداتك كذلك الآخرين يرونها فيما يؤمنون به.. وقبل أن تدخل في مرحلة لطمية الذات وحسرة التهميش ورعب الحرب التي ستضع نفسك فيها وجهاً لوجه مع مجتمعك.. تريث قليلاً وتذكر أنك لست مجبراً أن تصدم معهم.. ولست مجبراً أن تكذب وتنافق وتقول عكس ما تريده.. إنما تعلم فن التسليك.. هو باختصار أن تمسك العصا من المنتصف.. وتسير بتوازن بين علاقتك مع مجتمعك وعلاقتك مع ذاتك.. هو التمرد الناعم الذي يبقي خصوصيتك في معزل عن «الملاقيف» والفضوليين وعشاق المناوشات اللفظية.. هو فن معرفة الحقيقية لمجرد المعرفة وليس لإشهارها في وجه الجبناء والمدفونين تحت ركام التبعية.. هو الحرية السرية التي لا يتحملها من تعوَّد العبودية.. من يتقن فن التسليك يفهم أن لكل فكرة جمهوراً يناسبها.. فالتحدث عن الممنوع في حضرة الخائفين كالصراخ بلغة لا يعرفها الجمهور.. والخوض في الغرائب مع جمهور معلق في ماضيه كمن يشرح لرضيع لم تكتمل مداركه ماهية الحياة والمستقبل.
«المسلكاتي» يعرف متى يثور فعلاً.. متى يخرج قوته.. متى يستخدم صلاحياته.. متى يقاتل ببسالة.. متى يحمي نفسه.. متى يثير الغبار.. متى يعلو صوته.. يعرف تماماً من يستحق أن يواجهه دون فنه.. يعرف أنها قضية مصيرية.. قضية تمس شرياناً نابضاً بالحياة.. هنا فقط يخرج الفارس الشجاع.. أما ما عداه من لعب المجالس والتصنيفات واستعراضات التافهين.. لا تحرك فيه ساكناً.. فالحراك الحقيقي يكون كبيراً ومؤثراً ومدروساً ومشروطاً بعائد وفائدة.
فهل عرفت فن التسليك؟