أمل بنت فهد
كان يحلم كغيره.. وكانت الظروف تأكل من صبره وطموحه دون أن يدرك حجم الثقل الذي يرزح على كتفيه الكادحة.. لم يثر أو يتذمر بعد أن أقنع ذاته بأنه ضمن الكثير من الكادحين والمسحوقين بين خطي الفقر والغنى.. تلك الفئة التي تعيش أكبر تحد مابين الخوف من الهبوط ونشوة الصعود.. معلقة أبداً بينهما.. حريصة أن لا تلامس أرضاً وعيونها تحلق عالياً صوب القمة مع المترفين والمرتاحين بعد عناء.
صاحبنا مسكون بحلم بيت العمر.. مساحة محمية من صوت الإيجار المقلق.. صوت يقتحم حياته ويتهم قدراته ويحرق روحه.. دون أن يستطيع الرد.. أو الاعتذار.. دون فرصة تحمي كبريائه أمام أسرته.. من جهة حقوق الآخرين.. ومن جهة رعب الشارع.. ويمينه وشماله في شغل مستمر ليجمع آثار كده وجهده ويسلمها لصاحب الدار طوعاً أو كرهاً.
بعد جهد وتخطيط وتخبط وألم وتوجع استطاع أخيراً أن يمتلك بيته.. وأتى بعده هم التأثيث ولوعة التنازل مرة بعد مرة أمام فحش الغلاء الذي لا يرحب بالجيوب إن لم تكن منتفخة.. مابين تطلعات أفراد أسرته وقدراته المحدودة يُطحن ألف مرة ويسحق.
واكتمل الحلم.. وأصبح واقعاً يضخ الفرح أينما التفت.. إلا أن المفاجأة لم تكن متوقعة.. صاحبنا بدأ يمرض.. كأنما كبر فجأة.. رويداً رويداً فقد طعم الوصول لحلمه.. اجتاحه الهم على حين غفلة.. في معادلة غير منطقية.. في ذروة التحقق خذله جسده.. واستسلم لمشوار البحث عن علاج!
استقرت الآراء والمشاورات على أنه «محسود» في بيته.. محسود لبلوغه حلمه.. ودخل معمعة الرقاة علهم يعيدون له ما فقده.. إلى أن اقتنع أن الحل في التنازل عن حلمه.. وبيعه والبحث عن بديل!
كم قصة مرت بنا تشبه قصتنا هذه؟
طموح وكد وتعب وجائزة الوصول تنازل وهزيمة.. إنها مسخرة العقل وسخافته تتجلى وتفرض الوهم.. يتجاوز الإنسان مسألة مهمة أثناء رحلته.. ذاك النزف المادي والنفسي والاجتماعي الذي تعرض له وهو يحارب ويقاتل الظروف.. تجاوز الأثقال التي حملها والأثر الذي تتركه بعد التخلص منها.. تجاوز واقعية أن يعلن الجسد عن علته بعد ضغط هائل.. تجاوز قدرته الأولى في أوج انفجارها.. تجاوز أنه هو من صنع مجده وحقق حلمه.. تجاوز إيمانه بذاته.. تجاوز كل الإشارات والمؤشرات التي تصفق له وتدفعه للقمة.. واختار بمحض إرادته أن يكون مطية الوهم المسكينة والغبية.. كمن يرفض الحظ بعد أن استقر بحجره وينفضه عنه كعقرب سامة.
الرضوخ بعد النزال وقبيل الانتصار ماذا يمكن أن نسميه؟