فهد الصالح
تتقاذف المتقاعد في هذا البلد الكريم الهموم ويعاني كذلك من الجحود لعدم الاهتمام به بعد تركه للعمل وتقاعده وكأن علاقة الوطن ومؤسساته قد انتهت معه ومنه، فلا اهتمام طبي ولا تأمين صحي، ولا علاوة معيشة ولا توفير أندية رياضية تناسب عمره داخل الأحياء وإن وجدت فلا عمل مؤسسي يتولى العناية به داخل تلك الأندية أو المراكز ولا ديوانيات يتبادل فيها الحديث مع أقرانه إلا نواة واحدة لذلك قامت بها أمانة مدينة الرياض مشكورة ووعدت بتكرارها في أحياء العاصمة، ولا اهتمام اجتماعي ونفسي بما استجد في حياته بعد التقاعد، ولا أماكن وصالات مجهزة يمارس فيها هواياته الأدبية والفنية وغيرها غير ما يجده في مركز الملك سلمان الاجتماعي الموجود في شمال العاصمة والذي أخذ في التوسع والاستثمار في نفس المكان ولم يسع إلى إيجاد فروع له في اتجاهات المدينة الباقية، وهذا دون شك ليس في العاصمة وحدها وإنما في كل مدن ومحافظات الوطن الكبير باستثناء بعض الإضاءات في المدينة المنورة وجدة ومكة المكرمة عبر مراكز الأحياء التي تستقطبهم وتستقطب غيرهم ولكنها أقل من الحاجة الفعلية للمتقاعدين، وحتى القطاع الخاص قد أغفل حاجة المتقاعد للرياضة في ظل ارتفاع الأسعار ولم نلمس مبادرات اجتماعية حقيقية لأجل بناة الوطن.
هذا المدخل يقودنا إلى العطاء الإيجابي الذي قدمته الرئاسة العامة لرعاية الشباب قبل سنوات للجمعية الوطنية للمتقاعدين، حيث وجه سمو الرئيس العام السابق جميع الإدارات العامة لرعاية الشباب بالسماح للمتقاعدين ليستفيدوا من المدن الرياضية والملاعب الخاصة برعاية الشباب وبكل تفاصيلها، وهي خطوة رائدة تحسب على المسؤولية الاجتماعية لرعاية الشباب، وأحدث هذا العطاء ردة فعل إيجابية لدى المتقاعدين لأن المدن الرياضية أصبحت موجودة ومنتشرة في أغلب المناطق والمحافظات الرئيسية ولكنه توجيه كريم لا نقول إنه لم ينفذ ولكنه لم يفعل بالشكل المطلوب لأن جمعية المتقاعدين وفروعها لا تستطيع أن تضع آلية للاستفادة من المدن الرياضية لأن لا موارد مالية لديها إلا ما يقدمه القطاع الخاص والمحسنين من المواطنين ولا يوجد لديها كوادر شابة تعينها على تحقيق الاستفادة من هذا التوجيه الإيجابي، لأن المتقاعد يحتاج إلى من يعينه ويأخذ بيده ويرتب له برامج يتمكن معها من الاستفادة بوقته ويعزز من صحته ويرفع من لياقته فهذا يحتاج إلى عمل مؤسسي، ويتحسر المتقاعد لأن الموجودات مكتملة وعلى أحدث المواصفات وتغري بالاستفادة منها وهو لم يمكن من هذا، ولنقراء المستقبل وما سيكون عليه الحال لو تم ممارسة الرياضة التي تناسب العمر.
ولكي يتم الاستفادة من هذا التوجيه الإيجابي فإن الأولى بتنفيذه وترجمته هو اتحاد التربية البدنية والرياضة للجميع الذي نرى أن مهمة رياضة كبار السن أحد أولوياته بل ومحور اهتماماته وقد عقدوا لها دورات وورش عمل قبل عامين تقريباً ويمكن أن يخصص الاتحاد برامج رياضية تناسب أعمار المتقاعدين وتنفذ بمشاركة متطوعين من فروع الجمعية المنتشرة في كل المناطق وبعض المحافظات بالترتيب مع الإدارات العامة لرعاية الشباب في المناطق والمسؤولين عن المدن الرياضية مع دعوة القطاع الخاص لرعاية تلك الأنشطة والفعاليات وجدولتها بشكل دائم في تظاهرة اجتماعية وتوأمة إنسانية تعكس أخلاق مجتمعنا في التواد والتراحم والعطف على الكبير وهي دون شك مسؤولية اجتماعية واجبه وليس فيها تفضل، وقد تتولى هذا الأمر الرئاسة عند توجيهها لفروعها بتنفيذ تلك البرامج مع ضرورة إعادة الحياة لتلك الاتفاقية وتسليط الضوء عليها ولعل لقاء قريب يجمع بعض منسوبي الجمعية الوطنية للمتقاعدين بسمو الرئيس العام والتوقيع على مذكرة تفاهم أو اتفاقية تحدد إطار العمل والمسؤوليات التي على أطرافها لنجد ويجد المتقاعد نقطة تحول إيجابية في حياته، وسيكون الإعلام الرياضي خير معين على إبراز برامج الاتفاقية ومنافعها فهذه الاتفاقية ستحقق رؤيته المجتمعية.
ختاماً.. أن ذلك الموقف الإيجابي إذا ترجم بعمل مؤسسي فإنه سيحسب لرعاية الشباب وستكون هي الجهة الأولى التي تهتم بالمتقاعد وبهواياته وبنشاطه الرياضي وبصحة العامة ولياقته البديني وبالتالي هي الجهة الأولى التي تهتم بوقته واستثماره فيما يفيده كي تطرد عنه الكسل والاتكالية وتعينه ليبقى متألقاً قدر الأمكان وقد تستفيد منه أن كان لا يزال قادراً على العطاء في عمل تطوعي لإخوانه المتقاعدين، وقد يستفاد في تحقيق هذه الإيجابية من الجمعية الوطنية لقدامى اللاعبين وترجمة ذلك ببرامج رياضية وثقافية واجتماعية تشرف عليها الرئاسة وتدعمها مالياً بالمصاريف التي لن تكون كبيرة إن لم تجد دعماً من القطاع الخاص وإن كنا نراهن في ظل انتشار ثقافة المسؤولية الاجتماعية في أوساط قطاعات الأعمال المختلفة أن الدعم لهذه الأنشطة سيتحقق وربما بقدر أكبر مما نتوقعه، ويكفي أن هذا الاهتمام من الرئاسة يأتي في ظل جحود شبه عام بالمتقاعد واحتياجاته إذا استثنينا جامعة الملك سعود وبعض القطاعات العسكرية وإن كان اهتمامها مقصوراً على بعض الخدمات وشركة سابك التي بنت مع المتقاعد علاقة شبه أبدية لأنها قدرت جهده وجهاده في بنائها وتحقيق رسالتها واستشرفت المستقبل للمتقاعد حتى جعلته يطمئن إليه وإلى كينونته معه واستمرار تألقه.