فهد الصالح
نؤمن مجتمعين أن جلد الذات باستمرار يصيب المجتمع بارتفاع درجة الإحباط، خاصة إذا لم يكن معها حلول منطقية وممكنة التنفيذ لتجاوز العثرات التي تسلط عليها الأضواء، كذلك ترتفع درجة الإحباط عندما نستهدف حلاً مثالياً يفوق ما نحن فيه بمراحل بعيدة لأننا سنسلم بعدم القدرة على ذلك، وستكون العوائق ماثلة للعين قبل التفكير في تجاوزها، وعلى العكس إذا كان العلاج المطلوب يقدم تدريجياً ويتابع تنفيذه فستجد نفسك قد وصلت إلى درجات من الرضا لم تكن فيها في وقت مضى، ولا ينبغي هنا إذا صلحت النوايا في تجاوز تلك العثرات أن نتفنن في طرح التبريرات للحال الذي وصلنا إليها لأن القناعة بوجود المشكلة أو التقصير أوحتى الخطأ هي أول مراحل النجاح وإن لم تتحقق فلن يتحقق التقويم.
هذا المدخل يقودنا بكل صدق إلى واقعنا الرياضي الذي يمشي وهو واقف طيلة العقدين الماضيين، ولم نحقق فيه نجاحا يشفي صدورنا وتشرئب له أعناقنا ونشنف به مسامعنا و تزهو به أعيننا ونحن نتابعه عبر وسائل الإعلام المختلفة، هذا بالرغم من اهتمام الدولة بالشباب والرياضة ودعم الإعلام غير المسبوق لها عبر الصحف والمجلات والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، واقعنا الذي جعلنا في المرتبة 98 في كرة القدم ولا تقل باقي الألعاب عنها، واقعنا الذي شكلت لعلاجه عشرات اللجان وأنشئ لأجله عشرات الاتحادات وأنفق عليه المليارات وقدمت لعلاجه الدراسات الباهظة الثمن ولم يتحقق ما ترجوه الدولة وما يتمناه المواطن العادي و يتطلع إليه المهتم بهذا الشأن ولا حتى طموح الشباب الرياضي.
إن التخصص الذي انطلق به العنوان يعود بنا عندما كان نادي أحد يمثل المملكة في بطولة أندية الخليج والأندية العربية في كرة السلة، وكان واجهة مضيئة لوطننا وحقق بطولاتها وكذلك النادي الهلال والأهلي في الطائرة ونادي الرياض في تنس الطاولة والفيحاء والهلال في التنس الأرضي والأهلي والشباب والهلال في ألعاب القوى والأهلي والخليج في اليد والهلال في ألعاب الدفاع عن النفس والاتحاد في كرة الماء وما نتج من تنافس كبير بين الأندية التي يطول ذكرها في عصر الألعاب المختلفة الذهبي، واليوم أصبحت أنديتنا التي تجاوزت الـ150 ناديا تتنافس في لعبة واحدة وتباينت المستويات خاصة مع الاحتراف الذي كبر الكبير وصغر الصغير وليتنا حققنا في كرة القدم على مستوى الأندية والمنتخبات مراكز متقدمة، بل إننا نتأخر كل عام أكثر من مرتبة بعد أن كنا في المرتبة الـ27 دولياً وصلنا إلى المرتبة 105، وهذا دون شك دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي وإن شكلت اتحادات أولجانا فإنها لم تهتم بتلك الألعاب على اختلافها وأضعفت حتى الجماهير في متابعتها ومن واجبها دعم التخصص في اللعبة لعلنا نحقق في غيركرة القدم ما لم تحققه لنا تلك اللعبة ونختصر الكثير من الجهود، وهذا ليس معناه أن ننكر النتائج الوطنية في الفروسية وألعاب القوى وهي وإن كانت فإنها لا تكفي مقابل الاهتمام الشاسع والمصروفات العالية، وقد نرى واقع الألعاب المختلفة قد تغير في المستقبل القريب ليس بجهد من الجهات الرسمية ولكن لأن الدعم سيتوقف عن الأندية لتتولى أمرها بنفسها والمصروفات على كرة القدم مرتفعة سواء في عقود اللاعبين المحترفين أو المدربين، ولكننا لا نرغب التحول غير المدروس لأنه في هذه الحالة ستتغير رياضتنا بالكامل وحتى المتطوعين لها، فالجهد سيصبح مضاعفا وستدار الأندية والألعاب بأسلوب مختلف ولن تكون البيئة الرياضية في حينها جاذبة للكفاءات المتطوعة، ونخشى أن نصاب في يوم من الأيام مع هذا التحول بما يسمى بفقدان الهوية لأننا لم نحقق في كرة القدم الطموح ولن نرتقي بالألعاب المختلفة الأخرى كذلك للطموح.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا أصبح واقعنا الرياضي في مختلف الألعاب بهذه الصورة، لماذا زاد احتقان الشارع الرياضي بكل طبقاته على هذا الواقع، لماذا لا نرى مستقبلاً جميلا لهذا الشأن الذي يهم أكثر من 60% من مواطنينا، لماذا لا يتوافق الإنجاز مع المصروف ومستوى الاهتمام، هل سنصل في يوم من الأيام ونقدم الكفن لألعابنا الرياضية لأنها أصبحت مصدر قلق وهي حديث المجالس ومع النقاش حولها زاد التعصب وكثرة الاختلافات مع تنوع مواقع التواصل الاجتماعي، لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين أو نستقدمهم لكي يطوروا رياضتنا ويساعدونا على شمولية الاهتمام والدفع بالتخصص لأننا لا نحتاج إلى تنافس أنديتنا في لعبة واحدة والتي ستتجاوز في عام 2020 أكثر من 320 ناديا حسب التصريح الرسمي، لماذا لا يُشرك في هذا الهم رؤساء الأندية والمهتمون والإعلاميون الرياضيون وتطلق ورش عمل لعلنا نصل من خلالها إلى انطلاقة جديدة واستنبات الأمل من أذهان المهتمين بالرياضة، إن لم يكن ذلك فإن الأولى أن نقنن المصروفات على الرياضة ونجعلها مخزونا للأجيال أو توجها لمشاريع أكثر فائدة ونفعا لمواطن هذا البلد الكريم، وقد توجه لبرامج تنفع الشباب في مستقبل حياتهم العلمي والعملي واحتضان أصحاب المواهب لأن البقاء غداً للأصلح.
ختاماً، أن الملف الرياضي دون شك ملف كبير جداً ومتشعب ويحتاج إلى وضع إستراتيجية شاملة لإصلاح خلله ونثق أن سمو الرئيس العام لرعاية الشباب قادر على إعادة بلورة الرياضة السعودية بما يضمن انطلاقتها الصحيحة خاصة، وسموه يكرر باستمرار أن الرياضة صناعة وهو صاحب فكر مستقل ومن الناجحين في القطاع الخاص بالإضافة إلى أنه رياضي مخضرم وصاحب فكر إداري ومبادر، ولذا فإن الآمال المعقودة عليه كبيرة، وقد تحتاج القيادات الرياضية الرسمية والتطوعية إلى غربلة أو تبديل أو حتى تقاعد لأن الفكر المخضرم لا يخلق بطبيعة الحال ما يحقق طموح الشباب فلكل عصر دولة ورجال ولابد من الاستعانة بالفكر الرياضي الشاب لأنه الأقدر على ترجمة أهداف تلك المرحلة.