فهد الصالح
يوجد الكثير من المعطيات التي تنشأ من أجل تحقيق أهداف اجتماعية وسلوكية تجعل المواطن والمسؤول على درجة من الرضاء حول إيجابية المجتمع في الاستفادة منها من ناحية, ومن ناحية أخرى تقيس مدى إيجابيته في الحفاظ عليها لكي تدوم ويتركها بعد استخدامها مثلما يود أن تترك له بعد أن يستخدمها غيره، وهذا يتمثّل في العديد من المعطيات، إلا أننا سنركز اليوم على ثقافة أنسنة المدن التي انتشرت في هذا العقد بصورة عمّت مدن ومحافظات ومراكز المملكة، وكان صاحب السبق فيها وعرّابها سمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف أمين منطقة الرياض الأسبق الذي طبَّق تخصصه الأكاديمي في تخطيط المدن، وجعل الرياض المدينة صديقة للإنسان في المقام الأول، واستهدف إنشاء أكثر من 100 ملعب ومجمع رياضي داخل الأحياء، وما زالت الأمانة تسير على نفس النهج والهدف, ودفعت وزارة الشؤون البلدية والقروية الأمانات والبلديات إلى إقامة ممرات للمشاة، وأصبحت رياضة المشي من الضروريات التي نشاهدها تتزايد، واستكملت الأمانات ذلك بملاعب متكاملة داخل الأحياء لكي تستثمر الأسر أوقات أبنائها، ويستثمر من جهة أخرى من تجاوزوا ذلك أوقاتهم في ممارسة الرياضة المتنوعة من خلال تلك الملاعب والمضامير المجهزة على أعلى المستويات وطيلة اليوم وتهيئتها بالإنارة ودورات المياه ومعاهدة الصيانة والتشغيل والنظافة والحراسة الأمنية الدائمة مع تشجيرها وتنسيقها، وحتى وضع أماكن للعب البريء للأطفال وفي بعضها أماكن للاستثمار فيما يحتاج إليه الشباب من أكل وشرب، وكذلك منح الأسر المنتجة الفرصة في الأماكن الكبيرة إلى ممارسة هواياتهم وعرضها على المتواجدين في صورة تمثّل مجتمعاً كاملاً بكل فئاته ومحققة كل الرغبات في مكان واحد، وساهمت الأمانات في دخل متنامٍ للأسر داخل أحيائهم.
والشق الأهم من المقال.. كيف نستفيد تربوياً ورياضياً من هذه المشاريع ونحافظ على الشباب ونرتب لهم أوقاتهم ونكون عوناً لأسرهم عليهم, ثم ألا يمكن أن تكون هذه الملاعب أماكن لاكتشاف المواهب؟.. لأننا أصبحنا نبحث عن اللاعب المميز والموهوب خارج مدينته في زمن الاحتراف، وأصبحت المبالغ التي تدفع لذلك فلكية ويستفيد القلة من الموهوبين، فيما نستطيع أن نجعل المواهب تسوّق داخل مدنها إذا صدقنا في اكتشافها بعمل مؤسسي دقيق, ألا يمكن إيصال رسالة وزارة التعليم التربوية، ورسالة رعاية الشباب الرياضية من خلال تلك الأماكن وفي توأمة صادقة وطنية, ألا يمكن أن نحقق تنافساً تربوياً ورياضياً بين الأحياء، ثم بين المدن، ثم على مستوى الوطن من خلال تلك المعطيات الرائعة التي لو وقفنا عليه، فسنجد أنها لم تحقق 10% مما يجب أن تحققه, ألم تكن ملاحظات مجلس الشورى عند مناقشة تقرير الرئاسة السنوي أنها لم تر تقارباً للرئاسة مع المؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والصحية، وهذا المكان جاهز لتحقيق ذلك, أليس بالإمكان عقد اتفاقية بين وزارة التعليم يشترك فيها أساتذة التربية البدنية والمشرفون التربويون، وبين الرئاسة العامة لرعاية الشباب لتتولى الدعم المالي للتربوي الرياضي والاجتماعي، وكذلك المصاريف التشغيلية والتحفيزية لتلك التظاهرة الاجتماعية، وبين الأمانات والبلديات من أجل استمرار التجهيزات على مستوى راق مع الصيانة والتشغيل لتلك الملاعب ومرفقاتها، ألم تسمِ الرئاسة أحد اتحاداتها باسم التربية البدنية والرياضة للجميع، وهذه الأماكن داخل الأحياء ويمكن أن تكون الرياضة للجميع بعمل رياضي مؤسسي واجتماعي تحتاجه كل تفاصيل مدننا التي أصبحت خالية إلى حد ما من الترابط الاجتماعي والتناغم الأسري, ألا يمكن أن نحفظ الشباب داخل أحيائهم السكنية من خلال الإشراف على دوري الحواري، بدلاً من ابتعاد الأبناء عن الآباء في أجواء يُقال عنها إنها أصبحت محاضن لتوزيع المخدرات أو نشر الإرهاب أو نشر الأفكار الضالة والسلوكيات المنحرفة التي لا تأتي لهذا الوطن بخير ولا للمجتمع ولا للأسرة ولا للفرد نفسه. إن لم تتحقق تلك التوأمة المنشودة من خلال وزاراتنا، ألا يمكن لرعاية الشباب أن تطرح ذلك بصورة أخرى وتتعاقد مع أكاديميات رياضية تتولى إعداد برامج رياضية واجتماعية وثقافية داخل الأحياء وبمشاركة الأمانة أو البلدية؟.. لأنها الجهة المسؤولة عن تلك التجهيزاولديها خطة رائعة في التوسع في إنشاء ملاعب الأحياء وممرات المشاة، بعد أن أصبح همها الأول الإنسان، وأنشأت مشكورة لأجل تحقيق رسالتها إدارات لخدمة المجتمع, ألا تستطيع الرئاسة لوحدها أن تستثمر اللاعب الدولي بعد اعتزاله ليقود التظاهرة الرياضية الشبابية من خلال تلك المجمعات الرياضية سواء من باب مسؤوليته الاجتماعية أو بمقابل مادي, وحتى لا يكون الأمر موجهاً فقط على رعاية الشباب.. ألا يمكن من خلال تلك المجمعات أن نعيد النشاط الرياضي المدرسي الذي أصبح آخر اهتمامات العملية التربوية وبمساندة رعاية الشباب وتفعيل حضورها المجتمعي بشكل أفضل؟.. لتتغير الصورة إلى الاهتمام بكل التفاصيل الأخرى في إطار اهتمامها الرياضي بالنشء الجديد, ألا يمكن أن تستثمر وزارة التعليم أوقات الفراغ لدى الطلبة من خلال المنهج اللا صفي؟.. لتلتقيهم داخل أحيائهم وفي ملاعب مجهزة وبعضها به مدرجات للمشاهدة, ونأمل أن لا تفصل التربية عن التعليم في الواقع، وإن فصلت في اسم الوزارة.
ختاماً.. إن مشروع أنسنة المدن مشروع جبار، ويجب أن يستفاد منه ولا يكون مآله مثل حال الحدائق التي أصبح المواطن لا يستفيد منها من واقع ثقافة العيب، وتُركت لنزهة الوافدين، وليته تتم المحافظة عليها فقد تعودوا منا في عدم المحافظة على المال العام, ويجب على الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تعيد سياستها في الاستفادة منها وتلزم اتحاد الرياضة للجميع أن يضع خطة للوصول إلى تحقيق رسالة الاتحاد داخل الأحياء, وكذلك تكليف من تراه في بلورة الاهتمام بالناشئين واكتشاف المواهب وتفعيل مكاتبها في المدن والمحافظات، لتقوم بهذا الدور وبخطة عمل إستراتيجية، وليس مجرد اجتهادات ندفع بها لمرة واحدة ثم نتركها, وأثق أن المسؤولية الاجتماعية في الأمانات والبلديات ستكون عوناً للرئاسة في تحقيق كل تطلعاتها، بل إنها ما وضعت ملاعب الأحياء إلا ليُستفاد منها في مثل ذلك، وستدعم استدامتها بكل تأكيد، وكذلك الوزارات الأخرى، ولعل ذلك يتحقق من خلال مشروع وطني عام وسنلمس نتائج نجاحه في فترة وجيزة.