فهد الصالح
فرح جميع المهتمين بالشأن الرياضي بتطبيق الاحتراف في كرة القدم قبل عقدين من الزمان ويمكن أن تقيم التجربة بتجرد تام ومعها يمكن أن تُقوم و يدفع بها للمزيد من القناعة حتى تتشكل في صورة أكثر إشراقا لأنها أصبحت مستقبل لشريحة من شباب وطننا ومهنة شريفة للاعب اعترفت بها الجهات الرسمية وأقرتها في نظام الهوية الوطنية وشكلت مصدر عيش كريم له وصفة اجتماعية وقيمة مضافة بعد أن كانت هواية يستميت من أجلها ويسعى إلى التميز والاستدامة في الملاعب قدر الإمكان.
وبعد أن مرت سنوات أصبح أبسط المهتمين والمتابعين للرياضة يستطيع تقييمها خاصة إذا كان ممن يعرف فترة ما قبل الاحتراف والإنجازات التي تحققت فيها وطول عمر اللاعب والتزامه بالنظام والانضباط وكذلك سلوكياته داخل وخارج الملعب، وهل بقي في ذهن الجماهير من اللاعبين المحترفين نفس العدد من اللاعبين الهواة وأصحاب المكافآت الزهيدة التي كانت تأتي بعد الفوز وكأنها بشارة يتلوها المسؤول الأكبر في النادي أو في المنتخب ليصفق اللاعبين تقديراً له.
لكن لماذا وبدون تحديد أصبح اللاعب في دول أمريكا اللاتينية وأروبا أطول عمراً مع الاحتراف، ولماذا بعد الاحتراف أصبح اللاعب أكثر انضباطاً والتزاماً، ولماذا أصبح ثرياً أثناء وبعد الاحتراف وأصبحت دقائقه بمئات الآلاف من الدولارات، لماذا أصبح اللاعب صاحب مسؤولية اجتماعية تجاه العديد من القضايا الإنسانية بعد الاحتراف، لماذا أصبحت سلوكياته أكثر مثالية ومحافظته على نفسه أكثر بعد الاحتراف، لماذا أصبحت الرياضة بعد الاحتراف مهنة للأجيال القادمة بل وتعقد عليها الآمال وتنشأ من أجلها المدارس ويستقطب الشبل الموهوب منذ الصغر ويعرف أين سيقع مستقبله وكيف سيكون دخله بل وكم سيبلغ عمره في الملاعب، لماذا صنع الاحتراف هناك الاهتمام بأدق التفاصيل لحياة اللاعب حتى وصل للعناية بمساره الصحي في تغذيته، لماذا أصبحت الأندية الأوروبية والأمريكية تحتل لدينا الاهتمام الأول للنشء بدلاً من الاهتمام المحلي والدولي بالأندية أو المنتخب الوطني، لماذا أحبطنا الاحتراف بل قتل طموحنا مع أول صافرة وقد كان أمنية يكتبها المسؤولون والجماهير والإعلاميون ويتحدثون بها وبما سيجدونه لرياضتنا عند تطبيقه.هل ثمة خطأ في التطبيق للاحتراف جعلنا لا نستمتع باللاعب إلا سنوات قليلة، ومن الذي جعل ثقافة اللاعب في الاحتراف ترتبط بمبلغ يأخذه في أول سنوات احترافه ثم يكفيه ليعيش به باقي حياته ولم يرسخ لديه مفهوم أن الرياضة أصبحت مهنة بالاحتراف ويستطيع من خلالها أن ينمي مدخراته مثلما ينميها التاجر في تجارته، لماذا جعلنا الاحتراف متعصبين ونسعى دون قصد بتجذير الكراهية لشعار على شعار بل ربما لناد خارجي على ناد داخلي، ولماذا جعلنا وأقصد اللاعبين وبعض المشجعين نهتم بنتائج النادي ولا نستميت لفوز المنتخب ونخشى على لاعب النادي أن يصاب وهو في مباراة دولية حتى لا نخسره مع النادي، أليس من المفترض أن ينطلق الحزم مع انطلاقة الاحتراف حتى لا نجعل فرصة لأي إخفاق، أين المحاكم الإدارية العاجلة التي تأخذ الحق للاعب المحترف أو تأخذه منه بدلاً من العبث أن جاز التعبير بمصلحة اللاعب والنادي في طول فترة البت في أي قضية شائكة وربما لولا ضغوط الإعلام الرياضي الرائع لما انتهت قضية واحدة سجلت في ملاعبنا، أليس ما ينشر عبر الصفحات الإعلامية والقنوات ومواقع التواصل يعكس صورة غير مرضية عن الاحتراف بكل تفاصيله، ألم يطلق على مسابقاتنا زمن الهواية أنها الأفضل على مستوىالعالم العربي والإسلامي وربما القاري واليوم لا شك أنها لم تعد كذلك وإن كانت الإمكانيات المادية هي الأكبر والجماهير الرياضية هي الأكثر.
ختاماً، نظام الاحتراف لدينا دون شك لا يمكن العدول عنه وتحويله إلى هواية مثلما كان ولكن يحتاج مشرط طبيب حاذق يقيمه ويقومه ويضع علاجه لتكون كرة القدم وغيرها من الألعاب مصدر إشباع رغبة واكتساب في آن واحد، مع وجود اللوائح الدقيقة التي تقودنا إلى الانضباط والالتزام في عقودنا وسلوكياتنا كلاعبين وتضمن معها الاستدامة في عمر اللاعب المتميز قدر الإمكان فلم يعد لدينا في زمن الاحتراف لاعب قدوة إلا القليل، والسؤال الختامي، أين دور رعاية الشباب التي أصبحت تقوم بدور المشاهد فقط مع كثرة لجانها واتحاداتها التي أصابت الرئاسة بما يسمى بانبعاج الصلاحيات والمسؤوليات وتشرذمت المسؤولية حتى أصبحنا أحياناً لا نعلم على من تقع المسؤولية.