أمل بنت فهد
من أعماق هذا الحزن الذي يحاول أن يدفننا.. وتلك الخناجر المنغرسة في خاصرة حاضرنا من أقرب الناس لنا.. ممن راهنا الزمان على نخوتهم ورجولتهم وشجاعتهم وخسرنا الرهان.. ولم نحسب للعمر حساباً لأن المستقبل سيكون هديتنا لهم.. إلا أنهم خذلونا.. بل غدروا بنا.. ومن هول المباغتة نحاول أن نفيق ولا نستطيع.. أبناؤنا وجهوا السلاح إلينا.. ومن لم يصبه رصاصهم وأحزمتهم الناسفة.. حتماً ذبحه وجع الخيانة..! هل قلت أبناء..؟
عفواً.. هم لم يعودوا أبناءً لنا.. لا نعرفهم أو لم نعرفهم.. كانوا بيننا بوجه الطيبة والبر والتقوى.. وبمجرد أن وجدوا عدواً لنا اتحدوا معه.. فأي حقد وكره ونفاق كان يسكنهم دون أن ننتبه؟ ولماذا لم ننتبه؟ وكيف غفلت قلوب الأمهات التي تعرف كل شيء من عيون صغارها؟ وكيف غاب عن الأب هذا الكره الذي يمور في صدر ابنه وهو يقول: أبي..!
لكن وبرغم هزيمتنا فيهم.. لن نبقى تحت ألم المصاب.. إنما سنقوم من هذه العثرة وإن كُنا بُلينا بالخونة فإننا لا نزال نملك أبناء بررة.. أكثر بكثير من القلة التي رحلت وعادت إلينا بالموت والدمار.. وما يهم حقاً ليس عمق الجرح.. ولا حصيلة الخسائر.. ولا هدير التهديد المنبعث من حناجرهم.. كل ذلك سيمضي يوماً ويبقى بين دفتي التاريخ يحكي قصة سوداء عن معنى انتحار الحب والأمومة والأبوة والوطنية.. قصة اللا انتماء.. قصة أحقر أسباب الانتحار.
المهم أن نعرف كيف ومتى أضعنا الحب الحقيقي.. فالإنسان الفارغ من الحب لا يملك شيء يعيش من أجله.. ولا يوجد بداخله أي شيء يتمسك به أو يعيش من أجله.. حتى نفسه لا تهمه إن لم يكن يكرهها.
المهم أن نعرف كيف نعيد للنشء قيمة الحياة.. ولا نفقدها نحن أيضاً تحت ضغط هذا النزف الذي يسرق منا إيماننا وقوتنا.. نعم هي هزيمة مفجعة.. لكنها حدثت وانتهى وقت الدهشة والخيبة والجنون.. وبدأ وقت الحياة والانتباه واليقظة.. لنبحث عن دورنا في الهزيمة وننسف منابرها.. من كانوا أبناءنا لم ينحرفوا أخلاقياً.. إنما عقدياً.. أخطر وأبشع انحراف يأخذ الإنسان لعالم الجريمة والوحشية.. ينتزع منه كل ما هو إنساني.. ليصبح مجرماً دون رحمة ورأفة.. لأن اليد إذا جربت سفك الدم بعقيدة عميقة.. فإنها تقتل معها الضمير والمبادئ والروابط.. كلها تتلاشى تماماً فلا يعد صالحاً للحياة إنما للموت والقتل والسحل.
حتى لا نحتضن أعداء محتملين لحظة يشتد عودهم فينقلبوا ضدنا.. لنمنحهم حياة طبيعية مليئة بالحب.. والجمال.. والفن.. والحضارة.. والحرية.. والثقافة.. فأفضل مرشح لمشروع الإرهاب.. المكبوت والمكروه والمنغلق.. والمحصور تحت سطوة محرض يعده بحياة أبدية بديلة عن حياته البائسة.