سعد بن عبدالقادر القويعي
رغم الأوجه المتعددة إثر الهجمات الإرهابية المتزامنة السبع، والتي شهدها وسط العاصمة باريس، يأتي تصريح الرئيس الفرنسي، بأن:» داعش هو من نفذ هجمات باريس؛ ولأنها أعلنت الحرب علينا، فإننا سنرد بكل قسوة على التنظيم الجبان»؛ وللتأكيد على تصاعد خطر تنظيم داعش الإرهابي كمصدر تهديد للأمن العالمي، باعتبار أن التداعيات الجيوسياسية لهذه الجريمة، ستكون مؤثّرة في تحديد معالم النظام الدولي، والمحاور الإقليمية المتحكمة في مستقبل الصراع، والتحالفات الدولية..
..على أساس أن وجود تنظيم داعش كوّن بيئة عالمية حاضنة للتطرف، ومروّجة للهجمات الإرهابية، جعلتها تتزامن بالتوقيت، والأيديولوجية العقائدية للتنظيم الإرهابي، الذي ينتمي إليه مرتكبو الجرائم السبع، والتي اعتمدت العنف، والإرهاب، والترهيب في توجيه رسائلهم السياسية، ما يعني أن إرهابهم يحمل أهدافاً مشتركة.
ما زلت أذكر جيداً تصريحات - رئيس وزراء فرنسا - مانويل فالس - قبل أربعة أشهر تقريباً -، عندما توقّع هجمات جديدة، وحرباً طويلة مع الإرهاب من دون نتائج فورية ، - وخصوصاً - أنه وسّع دائرة التهديدات التي ضم إليها التيارات المتشددة في المقدمة للراديكالية، والتي تقود إلى الإرهاب - وفق قوله -. وفي سياق الأرقام ، فقد أشار فالس إلى أن «5000» أوروبي يحاربون - حالياً - إلى جانب المتشددين في سوريا، والعراق. وأن هذا الرقم مرشح - بحسب ما تقدره المخابرات الفرنسية - إلى أن يرتفع إلى «10000» مقاتل في صفوف تنظيم داعش مع نهاية العام الجاري.
يمكن القول: إن التطورات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة ، - لاسيما - تمدد العمليات الإرهابية، قد كشفت عن التشابك بين الأحداث الداخلية، والعوامل الخارجية، بحيث لم تعد عملية الفصل بينهما واقعية. - وعليه - فإنني أخشى أن تستثمر تلك العمليات الإجرامية؛ لتشكل دفعة قوية للتيارات السياسية المتشددة، التي جعلت من الهجوم على الإسلام، واعتباره عاجزاً عن التأقلم مع القيم الديموقراطية وقوداً لدعايتها السياسية، - إضافة - إلى التأكيد على قضايا امتداد الإرهاب عالمياً، وطبيعة الأجيال الجديدة لمسلمي أورويا، - وخصوصاً - أن في فرنسا أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، حيث يعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا، ويفوق عدد أتباعه خمسة ملايين بنسبة 8 %، أو تزيد.
بقراءة متأنية لجرائم باريس، فإن تداعياتها ستكون خطيرة، وبعيدة المدى، كونها - في نهاية الأمر - تشكل تهديدات يمكن تتبع أثرها، وتحديد مصدرها، وتتبع قيادتها؛ ولأن مسرح الأحداث تُشن من منطقة تعاني من الإرهاب، وتشهد أزمات هوية، فإن أفعال التدمير، والتخريب، وإلحاق الأذى، والضرر، والخسائر التي توجه إلى أهداف، أو ضحايا مختارة، أو ظروف بيئية، أو وسائل، أو أدوات، والتي تكون آثارها ذات صفة سياسية، ستجعل من مفاهيم تكريس الصراع الحضاري، والتركيز على الخلاف بين الهويات، والنعرات الطائفية، والمرجعيات الفكرية الحاضنة للصراعات المستقبلية العالمية.
الأمر الذي يستوجب فرض حل عاجل في سوريا، والعراق بعد أن تحولت المنطقة إلى حاضنة لتنظيم داعش الإرهابي؛ من أجل مواجهة الإرهاب، وتدبير شؤون الحرب، والسلم - الدوليين -، وميكانيزمات الصراع، والتحالفات الإقليمية الممكنة.