سعد بن عبدالقادر القويعي
من بين الموضوعات التي تمثل قضية مهمة في الواقع الإنساني، والتي توقفت عند محطتها - قبل أيام -، كشف - المتحدث الرسمي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - تركي الشليل، عن مراسلات بين الهيئة، وهيئة التحقيق والادعاء العام، حول قضية منع الاستدراج، والتجسس،
وأي وسيلة لا تتوافق مع التعليمات الشرعية، والأنظمة المرعية، - خصوصا - أن الادعاء العام حددت للهيئة تجاوزات، تقع فيها فرقها القابضة في قضايا الجرائم المعلوماتية، منها: استدراج الضحايا بصور خليعة، والتحقيق معهم، وأخذ إقرار عليهم.وهذا ما يجعلني أؤكد، على أن الإنسان في الإسلام مسؤول، ومن بين موجبات هذه المسؤولية، المحافظة على ضروراته، وصيانة حرماته، - سواء - من الناحية المدنية، أو من الناحية الجنائية.
بعيدا عن تطفل المتطفلين، واقتحام المقتحمين، فإن كشف الخصوصيات، وإلصاق الاتهامات في منطقة الأفكار بتتبع العورات، ونشر الزلات سلوك مشين، وعادة قبيحة.تضعف معها الروح الاجتماعية، وتنقطع بها الروابط الإيجابية، - إضافة - إلى ما في ذلك من مفاسد عظيمة، لمن يزعم أنه يريد الإصلاح.بل إن نص نظام الإجراءات الجزائية جاء متوافقاً مع ما تقرره الشريعة الإسلامية السمحاء من أحكام، تحرم التجسس، وهو ما يتفق مع ما تقرره التشريعات الحديثة، التي تعتبر حماية سرية المراسلات الخاصة من أهم خصوصيات الإنسان، التي يحرص على صيانتها، وعدم اطلاع الغير عليها.
لا يكتفي المتجسس بالظن؛ لأنه سيحمله إلى التحقق مما ظن ؛ فيقع في منكر آخر، وذلك عندما يشتغل بالتجسس ؛ فتكون تلك المقدمات الاختيارية غير صالحة للتعويل عليها، ولا يُرتب عليها أي أثر من قول، أو فعل عليها. وخلاف ذلك سيضر بالناس من الناحية النفسية، ومن الناحية الاجتماعية بمجمل تأثيراتها، وسيفعل الأثر السيئ في الواقع، والبناء عليه من حصول سوء الظن، وتبني القبائح. بل إن تجسس الفرد على الفرد في الشريعة الإسلامية محرم، - سواء - كان الفرد يتجسس لصالح نفسه، أو لصالح غيره، مهما كانت حججه، وأهدافه. وليس لمن أراد الأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر ذلك ؛ لأن من شروط المنكر: أن يكون ظاهرا من غير تجسس، ولا تفتيش، كما نص عليه أبو يعلى في الأحكام السلطانية.
بالموازين الشرعية، فإن كشف أستار الناس، والبحث عنها في الخفاء وراء أسماء وهمية يضر بأصحابها، ويوقعهم في أشد الحرج، ويعطل عليهم مصالحهم.ويكون الضرر عندئذ شديدا، والبلاء عظيما، باعتبار أن الله منح الحياة الخاصة حرمة شرعية، لم يجز للغير اقتحامها، ولا أن تنتهك في صورة من الصور، ولا أن تمس بحال من الأحوال، إما بالنظر إليهم، وإما باستراق السمع، وإما بالاطلاع على مراسلاتهم، ووثائقهم، وأسرارهم، وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم، - وسواء - كان الباعث مجرد الرغبة في جمع المعلومات، أو أخذ مستمسكات عليهم؛ بحجة ضبط أصحابها.
إن سوء الظن باعث على التجسس، والأخير باعث على كشف الأسرار، وهما سبيلا مذمة، وضعة، وصغار ؛ فإن من بحث في عورات الناس، وتصيد أخطائهم، وقع في سيء ظنونه، وأفعاله، وعكّر جوّ الطمأنينة إلى اضطراب. وتأمل ما قاله - القاضي - أبو يعلى الحنبلي في الأحكام السلطانية: «إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستمرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا، والقتل جاز التجسس عليه، والإقدام على الكشف، والبحث ؛ حذراً من فوات ما لا يستدرك من إنتهاك المحارم، وإن كان دون ذلك في الريبة، لم يجز التجسس عليه، ولا الكشف عنه». وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: « نصّ أحمد فيمن رأى إناءً يرى أن فيه مسكراً أنه يدعه، يعني: لا يفتشه».
ما أود أن أختم به هذه المقالة، أن كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته، ويجب أن يُحفظ عرضه في حق هذه القاعدة. وعندما نقرر أن الناس محكومون على ظواهرهم ؛ فإن ستر العيوب، والتجاهل، والتغافل عنها شيمة أهل الدين.وتوجيه النظر إلى الجانب الإيجابي، يمنع عن الحكم المرتكز على الظن، ويخلق عالما من روح التعاون الجماعي باحترام الكرامة، وصيانة العرض، وهو طريق إلى حفظ نظام المسلمين، وبث الاطمئنان نحو النفوس.