محمد الخنيفر
لا استغرب، في الوقت الحالي، من تكاثر التفاف البنوك الأجنبية حول البنوك والمؤسسات شبه الحكومية. فتلك المؤسسات تملك متانة ائتمانية جيدة. ودائمًا ما يحاول المستثمرون الأجانب اقتناص تلك القروض أو الصكوك التي تصدر لصالح تلك المؤسسات لأنها تعتبر أقرب ورقة مالية يستطيعون الحصول عليها إذا ما أرادوا الانكشاف على الجدارة الائتمانية للمملكة العربية السعودية. فجميع ديون المملكة هي محلية وليست خارجية. الذي قد لا تعرفه تلك المؤسسات هي أن تكلفة الاقتراض بالدولار سوف ترتفع عليهم وذلك لسببين. الأول هو عدم اعتماد المستثمرين الأجانب بتقييم وكالات التصنيف الائتماني والقيام بتصنيف الدولة بحسب تقديراتهم وليس ارتكازًا على الأساسيات. أما السبب الثاني فيعتمد على قيام ستاندرد آند بورز (SالجزيرةP) بتخفيض تصنيف الديون السعودية الطويلة الأجل (سواء بالعملة الصعبة أو المحلية) درجة واحدة (A+).
وعلى الرغم من وصف وزارة المالية هذا التصرف بأنه غير مبرر فإن المملكة لا تزال متمسكة بتصنيف ائتماني أعلى بدرجة بواحدة من موديز ودرجتين أعلى من وكالة فيتش. ومع هذا ستقوم وكالة التصنيف الأولى آنفة الذكر بتخفيض التصنيف الائتماني درجة واحدة للمؤسسات التي تملك الحكومة حصة بها وهذا ما جرى بالفعل في الأسبوع الماضي لست مؤسسات. وطال الأمر جميع الصكوك التي أصدرتها بعض تلك المؤسسات كالصكوك الدولارية لشركة الكهرباء. فنظريًا حملة صكوك شركة الكهرباء يحصلون على أرباح دورية أقل مما يستحقون مقارنة بالتصنيف الائتماني الخاص بشركة الكهرباء. وبينما يعتبر ذلك إيجابيًا للشركات التي حصلت على قروض دولارية قبل انخفاض التصنيف، فإن عليهم تجاهل نصائح البنوك الاستثمارية وعدم طرق أبواب سوق الدين الأجنبي سواء ذلك كان عبر القروض المجمعة أو الصكوك. وعليهم التركيز عوضًا عن ذلك على السوق المحلية إذا ما أرادوا الاقتراض ذي التكلفة الرخيصة. وعليه سيكون ذلك أبلغ رد نوجهه لأولئك الذين يتجاهلون أساسيات اقتصادنا الوطني المتين.
تكلفة مبالغة لقاء الاقتراض بالدولار
الذي يتذكرون التحليل السابق المعنون بـ»مبالغة المستثمرين الأجانب في التسعير تجعل السعودية تعدل عن خيار السندات المقومة بالدولار» سيدركون أن المستثمرون في أوقات الأزمات يتجاهلون تلك التصنيفات الائتمانية الرسمية ويقومون بتصنيف الدول كيفما يرون. ورئينا كيف أن الحكومة العراقية قررت العدول عن إصدار سندات دولارية بعد أن طالب المستثمرون بأرباح تتعدى تصنيف الائتماني العادل للعراق. فالتسعير الإرشادي الصحيح يُخبر المصرفي إذا ما كانت الجدارة الائتمانية لدولة ما مبالغًا فيها أم أنها معتدلة أم منخفضة مقارنة بأقرانها. فعندما تريد دولة ما إصدار سندات فإنها في الغالب تسعى لأن تحصل على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتمانية. وهذا التصنيف الحيادي القائم على الأساسيات يساعد المصرفيين والمستثمرين في تحديد السعر الإرشادي للسندات التي تنوي تلك الدولة بيعها لهم.
إحدى الطرق التي ينظر لها في التسعير هي عقود مقايضة الائتمان (Credit Default Swaps)، التي تستخدم للتأمين ضد التعثر عن سداد ديون سيادية. وميزة تلك الأداة المالية أنها تقيم المخاطر الائتمانية ارتكازًا على مشاعر المتعاملين الأجانب. ولا أخفيكم أنني كنت أتابع هذا المؤشر منذ فترة طويلة؛ وذلك لتوقعي بقيام المتداولين بالمبالغة والمضاربة على عقود مقايضة الائتمان السعودية. فعلى سبيل المثال، كان العائد على السندات السعودية لأجل 5 سنوات 1.92 في المائة أو 32 نقطة أساس أعلى من سندات الخزانة الأمريكية ذات تاريخ الاستحقاق المشابه. في حين ارتفعت عقود مقايضة الائتمان السعودية في الأسبوع الماضي إلى 156 نقطة أساس. فكما تلاحظون فهناك فجوة كبيرة بين تكلفة الاقتراض بالعملة المحلية والدولار. وهذا هو سبب تشجعينا لمؤسساتنا بأن تقترض من السوق المحلي بدل من الدولي. والحديث هذا موجه أكبر لشركة الكهرباء التي ذكرت وسائل إعلامية عن تفكيرها بالاقتراض بالعملة الأجنبية.
لماذا علينا أن نتجاهل مستثمري الأوراق المالية الأجانب؟
هؤلاء ببساطة لا يعتمدون على تصنيف الوكالات. والأمثلة خير دليل. نبدأ بـ (SالجزيرةP). فحتى مع تصنيفها الجديد للسعودية فإن عقود مقايضة الائتمان تتداول بمستويات مقاربة لدول مصنفة أربع درجات أقل من تصنيف السعودية الحالي. وهذه الدول هي بنما والهند والمجر.
في حين طورت وكالة التصنيف الدولية موديز مؤشرًا أسمته «التصنيف المُقترح من قبل السوق» (Market Implied Ratings). ويقوم هذا المؤشر بتقديم التصنيف الائتماني الأمثل بحسب وجهة نظر المستثمرين. وترى «موديز» في مقارنتها أن تصنيف السوق المقترح هو - من وجهة نظر المستثمرين - بمنزلة الإنذار المبكر والسابق لأوانه حول إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني لدولة ما، ولكن يعيبه أن ردة فعل المستثمرين تكون سريعة وغير مرتكزة على الأساسيات. وكما يتضح فهناك فجوة عميقة بين تصنيف موديز المعتمد والتصنيف الآخر من وجهة نظرهم. بعبارة أخرى، قام المستثمرون بتخفيض التصنيف الائتماني للسعودية 6 درجات (من Aa3 إلى Baa3) وهذا ما يعني أن تكلفة الاقتراض بالعملة الأجنبية ستتضاعف في حال أردنا طرق باب أسواق الدين العالمية.