محمد الخنيفر
تمكنت حكومة المملكة من توفير ملايين الريالات عندما نجحت في تخفيض تكلفة الاقتراض عبر السندات الى أكثر من النصف. ففي 2007 كانت المملكة تدفع عائد 5.5% للمستثمرين بالسندات ذات أجل عشرة سنوات. إلا أن الصورة قد تغيرت في الوقت الحالي بعد أن تحسنت الجدارة الائتمانية للمملكة والتي تجلت بحصولها على درجات ائتمانية عالية من وكالات التصنيف الدولية. وظهر أثر ذلك في الإصدار الأخير ذو العشر سنوات والذي كان العائد عليه 2.65%. وهذا يعني أن المملكة نجحت في توفير مايصل إلى 2.9% (أي أكثر من النصف) مقارنة بإصدار 2007. ويوضح الجدول البياني المرفق كيف أن تصنيف المملكة قد ارتفع درجتين ليصل إلى ( AA) مقارنة مع تصنيف 2007.
من المهم بمكان أن نبدأ بتتبع تسعير السندات القادمة والتي تأتي في إطار جهود تغطية عجز الميزانية الناتج عن هبوط أسعار النفط والذي يقدره صندوق النقد الدولي بنحو 150 مليار دولار هذا العام. لعل ما تميز به إصدار السندات الثاني (أغسطس) هو أنه تم فتح بيع السندات للبنوك التجارية للمرة الأولى منذ عودة المملكة إلى سوق السندات. وفي الشهر الماضي جرى بيع أول شريحة من السندات حصريا لمؤسسات مالية تابعة للدولة.
ماهية التصنيف
قبل أن نعرج على الأمور الفنية للتسعير، علينا أن نشرح أثر التصنيف الائتماني مع التسعير. فعندما يرغب الأفراد بالاستدانة، فإن أول شيء تقوم به البنوك هو تقييم قدرة المستدينين المالية وتحديد درجة المخاطر الائتمانية (عن طريق الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية سمة) . فعندما تقترض فأنت تقوم بتقديم الوعود بتسديد المبلغ خلال فترة محددة. وعليه تم إيجاد نظام للتقييم الائتماني (scoring) وذلك من أجل تحديد احتمالية إرجاع الفرد الأموال التي اقترضها وذلك بناءً على مركزه المالي والتي تشتمل على أصوله واستثماراته ورواتبه . بحيث ترتفع مخاطر الشخص وتسجّل في النظام عندما يتخلف عن سداد مستحقاته الواجبة. مما يعني أنه سيكون هناك رسوم إضافية أو علاوة لتعويض عامل المخاطرة (premium ) عندما يحاول ذلك الشخص الاقتراض مرة أخرى. الأمر نفسه مع الحكومات اوالشركات التي تفكر في إصدار سندات.
وتلعب وكالات التصنيف الائتماني دوراً مهماً في عملية تطوير الاسواق المالية وذلك عبر تحسين مستوى الشفافية بين الجهات المصدرة للسندات والمستثمرين الراغبين في تلك الإصدارات.
إن حصول الشركات على تصنيف ائتماني من شأنه أن يقود -أ- لتخفيض تكلفة الاقتراض من البنوك – ب- أو زيادة تكلفة الاقتراض. فخلال مرحلة تسعير القرض والعائد عليه (أو الفائدة)، فإنه يتم الاستعانه بالتصنيف الائتماني الخاص بالشركة لتحديد الجدارة الائتمانية الخاصة بها ومدى قدرتها على التسديد. وإذا لم تكن الشركة مصنفة مسبقاً فإن البنوك في العادة تقوم بمحاولة حساب درجة مخاطر الشركة. وعليه تحصل الشركة على تصنيف ائتماني داخلي من البنك الذي ينوي إقراضها ولكنها لا تعلم في نفس هذا الوقت إذا كان هذا التصنيف عادلاً أم لا، مقارنة مع جهه محايدة كوكالات التصنيف.
التسعير العادل للسندات السعودية
ومن أجل تبسيط عملية المقارنة، ستركز هذه الزاوية التحليلية على شريحة السندات ذات الأجل 10 سنوات. وللتوضيح للطلاب الذين ينوون أن يصبحوا مصرفيين استثماريين, فإن آجال الصكوك ( tenor) تعني الفترة التي ستعيشها الأداة المالية قبل أن يتم إطفاؤها (redemption) .
إن عملية تسعير الصكوك عملية معقدة جداً لا داعي لطرح تفاصيلها هنا. فقد تم تسعير السندات لأجل 10 سنوات بعائد 2.65 بالمئة أو 46 نقطة أساس فوق أذون الخزانة الأمريكية المشابهة. والحكومة الإمريكية حاصلة على تصنيف ائتماني (AAA ) والسعودية تبعد عنها 3 درجات وفقاً لتصنيف ستاندرد آند بورز ودرجتين وفقاً لوكالة فيتش. وكرأي شخصي أعتقد أن المملكة ستكون قادرة على تخفيض التسعير أكثر مع الإصدارات القادمة، وذلك في حالة احتكامنا لتصنيف فيتش المرتفع.
لماذا نلجأ لأذونات الخزانة الأمريكية في تسعير سندات بالريال؟
يعود السبب في ذلك الى أن الريال مرتبط بالدولار. ولذلك فإن تلك المنهجية تعتبر منطقية حتى لو كانت العملتين مختلفتين.وبما أننا في الإطار ذاته، فعلينا أن نعلق على آخر المستجدات بأسواق العقود الآجلة حيث يراقب المتعاملون الأجانب إصدارات السندات المحلية. ويبدو أن هؤلاء المتعاملون بدأوا يراهنون أن الريال سوف يضعف بعد ارتباطه بالدولار لما يقارب للثلاثين عاما. وفي غياب التعاملات الفورية ينظر إلى العقود الآجلة غالبا كمؤشر على معنويات السوق تجاه المنطقة. وقفز الدولار مقابل الريال في العقود الآجلة لأجل عام إلى أعلى مستوى له منذ مارس آذار 2003 عند 305 نقاط من 250 نقطة عند الإغلاق أمس الأربعاء الماضي. وهذا يعني ببساطة أن المستثمرين بدأوا بالتحوط ضد الريال وذلك لمراهنتهم على احتمالية فك ربط الريال بالدولار. ونظرا لاحتفاظ البنك المركزي السعودي باحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي بلغت 664.5 مليار دولار في يونيو حزيران ، فإن بإستطاع ساما أن تدافع عن عملتنا الوطنية بسوق العقود الآجلة، في حالة تطلب الأمر ذلك.