محمد الخنيفر
ما أجمل أن تأتينا جهة خارجية موثوقة وحيادية وتمدنا بدراسة واقعية حول قطاع ما. فتلك الدراسات الواقعية (التي تأتي بمثابة الطرح البناء) قد تساعدنا على اكتشاف مواطن الضعف ومحاولة تطويرها وهذا ما سينعكس على إنتاجية اقتصادنا القومي.
آخر تلك الدراسات جاءت من صندوق النقد الدولي ودارت حول كيفية تطوير وتعميق أسواق الدين بالعملة المحلية في منطقة الخليج. وستشاهدون من الرسم البياني المعبر جداً كيف شكلت إصدارات الدين (من قبل الشركات غير المالية) في الولايات المتحدة ما يقارب من 16 % من إجمالي الناتج المحلي. في حين شكلت تلك النسبة في السعودية 2 %. وهنا يتم طرح تساؤلات عدة حول سبب عدم وجود تشريعات وقوانين تسهل على الشركات إصدار أدوات دين بالمملكة. لن أطيل عليكم برأيي حول هذه القضية التي تم اثارتها بأكثر من زاوية هنا وسوف أترككم مع النص الكامل لتحليل صندوق النقد الدولي:
«يمثل الاقتراض السيادي أحد خيارات تمويل عجز المالية العامة، واللجوء إلى هذا الخيار يمكن أن يقدم فرصة لبلدان مجلس التعاون الخليجي لتطوير أسواق الدين المحلي لديها، بسبل تشمل إصدارات سيادية لأدوات إسلامية طويلة الأجل. ويمكن أن يؤدي تطوير أسواق دين محلية تتمتع بالسيولة والعمق إلى تعزيز قدرة هذه الاقتصاديات على مواجهة الصدمات المعاكسة، وتيسير إجراء السياسة النقدية عن طريق تحسين آلية انتقال الآثار النقدية، وتسهيل الالتزام بمعايير السيولة التي تنص عليها اتفاقية بازل الثالثة، والمساعدة على النهوض ببرامج تنويع الاقتصاد من خلال توسيع نطاق إتاحة التمويل طويل الأجل. ويمكن أن يؤدي إنشاء سوق للسندات الحكومية، يتم فيه التداول الفعال، الى توفير قاعدة يمكن الاستناد إليها في تسعير سندات الشركات المصدرة بالعملات المحلية والمساعدة على معالجة مسألة تباين آجال الاستحقاق التي تقيد الإقراض المصرفي طويل الأجل.. ولا تزال أسواق الدين المحلي في بلدان الخليج في مرحلة مبكرة من التطور وينبغي القيام بالكثير للمضي قدما ببرنامج العمل هذا.
فعلى سبيل المثال، لا يكاد يكون هناك وجود لسوق لسندات الشركات المحلية (الشكل البياني 1-2-4).
وفي يوليو 2015، أصدرت السعودية سندات سيادية للمرة الأولى منذ عام 2007 وتم شراؤها من البنوك المحلية وذلك لتمويل العجز في المالية العامة للمملكة، وتعتزم عمان والكويت إصدار صكوك. ومع ذلك، فإن إصدار الدين بالعملة المحلية في بلدان الخليج لم يترجم بعد إلى إيجاد سيولة كافية في الأسواق الثانوية، وتعد قطر هي البلد الوحيد الذي أحرز تقدما منتظما في تطوير سوق للسندات الحكومية في السنوات الأخيرة (الشكل البياني 2-2-4 ).
ويتطلب إنشاء سوق تتمتع بسيولة كافية وتعمل بشكل جيد للديون الحكومية وديون الشركات طويلة الأجل جهودًا استباقية ومنسقة من الحكومات والبنوك المركزية والهيئات التنظيمية الأخرى والمشاركين في السوق. وتشمل الخطوات والشروط الرئيسية ما يلي:
• التركيز مبدئيا على تطوير تداول الاستحقاقات قصيرة الأجل في منحنى العائد ببناء سوق سائلة لأذون الخزانة قصيرة الأجل تكون فيها الإصدارات مدعومة بتوقعات بشأن سيولة السوق مع وجود آلية شفافة لتحديد الأسعار المحققة للتوازن بين العرض والطلب.
• بناء قاعدة متنوعة من المستثمرين المؤسسيين المحللين والأجانب (بما في ذلك صناديق المعاشات التقاعدية وصناديق التأمين وصناديق الاستثمار المشتركة (التي تتيح إمكانية تحويل الوساطة المالية من البنوك إلى الأسواق الرأسمالية بزيادة الطلب على الأصول المالية طويلة الأجل).
• إنشاء بنية تحتية مؤسسية كفؤة، تشمل نظاماً لتصنيف الإصدارات يتسم بالمصداقية، ومعايير جيدة لحوكمة الشركات، وشفافية متطلبات إعداد التقارير، واعتماد معايير المحاسبة الدولية كون هذه الصفات تسهم في تعزيز انضباط الأسواق.
• شفافية التسعير وتحسين عمل المكونات الأخرى التي تلعب دوراً أساسياً في عمل السوق – مثل آليات التداول الفعالة ونظم الحفظ والتسوية – لتعزيز السيولة والكفاءة، مع خفض تكاليف المتاجرة والتقلبات».