محمد الخنيفر
عندما تتضاعف تكلفة الاقتراض ست مرات مقارنة بتصنيفك الائتماني المعتمد من ثلاث وكالات تصنيف عالمية فعندها يحق لك أن توفر على خزانة الدولة، وتبحث عن موارد أخرى للتمويل. فخيار التمويل عبر السندات المقومة بالدولار ليس على الطاولة في الوقت الحالي. نعم، هذا هو الوضع الحالي لمملكتنا، الذي يمكن استشفافه.
فعند هذه الأوضاع الاقتصادية المضطربة تتجلى القيادة الحكيمة في كيفية إحكام القبضة الخاصة بأنجع الطرق لتمويل عجز الميزانية. فعندما ترغب الدول بتمويل عجز ميزانيتها فإن لديها خيارات عدة:
1 - إصدار سندات أو صكوك بالسوق المحلية (وفي العادة تكون تكلفة الاقتراض أرخص؛ لأن تلك الأوراق المالية مقومة بالعملة المحلية).
2 - تسييل بعض الاستثمارات الخارجية عن طريق الصناديق السيادية، وجلب تلك الأموال للبلاد.
3 - زيادة الضرائب على الشركات، ورفع الدعم عن بعض السلع.
4 - تقليص الإنفاق على بعض المشاريع غير الضرورية.
5 - إصدار سندات مقومة في الغالب بالدولار، وبيعها لمستثمرين أجانب (وهذا هو موضوع زاويتنا التحليلية).
فمنذ منتصف 2014 انخفضت أسعار النفط بأكثر من النصف. ويتوقع صندوق النقد الدولي ومحللون أن تسجّل المملكة عجزاً قياسياً في الموازنة، قد يتجاوز 120 مليار دولار هذا العام. ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة للخيارَين الأول والثاني اللذين تم ذكرهما أعلاه. وتم تجاهل الخيار الخامس لحكمة غابت عن الكثيرين، وتجلت مؤخراً.
كيف تخسر خزانتنا عبر إصدار السندات الدولارية للأجانب؟
يتذكر القراء المتابعون أن هناك طرقاً عدة لتسعير السندات السيادية. وفي الغالب كنا نتجاهل الدخول في تفاصيلها؛ لأنها عملية بالغة التعقيد؛ وتتطلب دقة شديدة. فالتسعير الإرشادي الصحيح يُخبر المصرفي إذا ما كانت الجدارة الائتمانية لدولة ما مبالغاً فيها أم أنها معتدلة أم منخفضة مقارنة بأقرانها. فعندما تريد دولة ما إصدار سندات فإنها في الغالب تسعى لأن تحصل على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتمانية. وهذا التصنيف الحيادي القائم على الأساسيات يساعد المصرفيين والمستثمرين في تحديد السعر الإرشادي للسندات التي تنوي تلك الدولة بيعها لهم. إحدى الطرق التي ينظر لها في التسعير هي عقود مقايضة الائتمان (Credit Default Swaps)، التي تستخدم للتأمين ضد التعثر عن سداد ديون سيادية. وميزة تلك الأداة المالية أنها تقيم المخاطر الائتمانية ارتكازاً على مشاعر المتعاملين الأجانب. ولا أخفيكم أنني كنت أتابع هذا المؤشر منذ فترة طويلة؛ وذلك لتوقعي بقيام المتداولين بالمبالغة والمضاربة على عقود مقايضة الائتمان السعودية. فعلى سبيل المثال، كان العائد على السندات السعودية لأجل 5 سنوات 1.92 في المئة أو 32 نقطة أساس أعلى من سندات الخزانة الأمريكية ذات تاريخ الاستحقاق المشابه. في حين ارتفعت عقود مقايضة الائتمان السعودية لأجل خمس سنوات قبل فترة بسيطة إلى 102 نقطة أساس، وذلك خلال فترة إصدار تلك السندات. بعبارة أخرى، فإن المملكة وفَّرت على خزانة الدولة 70 نقطة أساس عندما أصدرت سنداتها المحلية المقومة بالريال. أما لو كانت السندات مقومة بالدولار فمن المستحيل أن يقبل المستثمرون الأجانب هذه السندات بهذا العائد. ونقاط الأساس هذه تتحول إلى ملايين الريالات عندما يتم دفع العوائد السنوية للمستثمرين.
ما هي رسالة وكالة موديز لنا؟
طورت وكالة التصنيف الدولية موديز مؤشراً أسمته «التصنيف المُقترح من قبل السوق» (Market Implied Ratings). ويقوم هذا المؤشر بتقديم التصنيف الائتماني الأمثل بحسب وجهة نظر المستثمرين. وبعد تواصلي المباشر مع موديز اتضح لي أنهم يعتمدون على عوامل أخرى، من ضمنها عقود مقايضة الائتمان. وترى موديز في مقارنتها أن تصنيف السوق المقترح هو - من وجهة نظر المستثمرين - بمنزلة الإنذار المبكر والسابق لأوانه حول إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني لدوله ما، ولكن يعيبه أن ردة فعل المستثمرين تكون سريعة وغير مرتكزة على الأساسيات. وكما يتضح من الرسم البياني المرفق، فإن موديز تقدم لنا التصنيف الائتماني العادل لدول عدة، من ضمنها السعودية، وكذلك تصنيف السوق المقترح من قِبل المستثمرين. وللأسف، يتضح أن هناك فجوة عميقة بين التصنيفين للسعودية. بعبارة أخرى، قام المستثمرون بتخفيض التصنيف الائتماني للسعودية 6 درجات (من Aa3 إلى Baa3)، وهذا ما يعني أن تكلفة الاقتراض بالعملة الأجنبية ستتضاعف في حال أردنا طرق باب أسواق الدين العالمية. وبسبب هذا التناقض في التسعير لا تستغربوا أن ترفض هذه الدول تحميل خزائنها عوائد أعلى مبالغاً فيها.
لسنا وحدنا
لسنا وحدنا الذين يعيشون هذا التناقض في التصنيف الائتماني؛ فعلى سبيل المثال، وبحسب بلومبرج، فإننا إن كنا سنصدق متعاملي عقود مقايضة الائتمان فإن على ماليزيا وجنوب إفريقيا أن تحذو حذو البرازيل، وتحصل على تصنيف خردة (Junk). وبعد أن خسرت البرازيل تصنيفها الائتماني الممتاز ذا الدرجة الاستثمارية قام مستثمرو عقود مقايضة الائتمان باستهداف الدول في الأسواق الناشئة، ولاسيما تلك التي تواجه نفس التحديات التي عانى منها البلد اللاتيني، منزلين بذلك تصنيف السوق المقترح 5 - 6 درجات عن التصنيف الرسمي. حتى الصين، التي لديها نفس تصنيف السعودية، لحقت بمصيرنا، وفقدت 6 درجات من تصنيفها الرسمي. ومن الطبيعي أن يستهدف هؤلاء المستثمرون تلك الدول التي تعتمد اقتصادياتها على سلعة واحدة مثل النفط. ومع هذا تقول موديز إن السعودية هي من ضمن 9 دول أخرى أظهرت بياناتها التحليلية فجوات كبيرة بين تصنيف السوق والوكالة (التي تغطي 65 دولة).