محمد الخنيفر
لم أتوقع أن أجد نفسي أكتب زاوية من أجل دحض قصة خبرية من أحد أهم مصادر الأخبار المالية في العالم (بلومبرج)، ولكن عندما تتعلق القصة المضللة بالقطاع المالي بالمملكة عندها علينا أن نتوقف ونصحح الصورة للمتلقي العربي.
فالظروف الحرجة التي نعيشها تتطلب دحض الشائعات في مهدها، وعدم التعاون معها. القصة ببساطة تصنع انطباعاً بأن جمعاً عظيماً من الشركات السعودية تخلت عن الاقتراض بعملة الريال، وتوجهت للاقتراض بالدولار.
وعُنونت القصة بـ«الاستدانة بالدولار تقفز 600 % (هذه السنة)..(والشركات) تتجاهل (القروض) بعملة الريال». والهدف من القصة هو خلق انطباع بأن تكلفة الاقتراض بالسوق المحلية قد ارتفعت، وأصبحت باهظة؛ وذلك كنتيجة طبيعية من انكماش السيولة المصرفية بعد إصدارات السندات السيادية للمملكة. ومن أجل أن تتضح الصورة للجميع فسوف يتم إيراد نص التقرير، ومن ثم دحضه بالحجة المنطقية.
الاقتراض الدولاري يرتفع سبعة أضعاف
«بلغت نسبة القروض الدولارية الجديدة حتى الآن 65 %. مع العلم أن هذه النسبة قد وصلت إلى 13 % في السنة الماضية. ووصل إجمالي القروض الدولارية التي تم جمعها هذه السنة إلى 11 مليار دولار (مقارنة مع 1.7 مليار دولار من السنة الماضية). وعلى النقيض من ذلك انخفضت نسبة الاقتراض بالعملة السعودية إلى 45 %. ويظهر هذا التحول الآثار الجانبية لانخفاض الـ50 % من أسعار النفط على مدى الـ12 شهراً الماضية. وقامت السعودية بطرق باب أسواق الدين المحلية بعد ثماني سنوات من آخر محاولة. وساهم ذلك في تقليص السيولة المصرفية وجعل السايبور (وهو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية) يقفز إلى أعلى نقطة منذ نوفمبر. والسايبور يستخدم كمؤشر لتسعير القروض التي بعملة الريال». وعلق محلل الائتمان أبوستولوس بانتيس من مصرف كوميرزبانك بقوله: «توجب عليهم، بسبب ضعف السيولة المحلية، أن يقترضوا بعملات مختلفة. فإذا استمر السايبور في الارتفاع بشكل أسرع من نسبة الفائدة الأمريكية عندها إذاً يكون من المنطقي على المقترضين السعوديين أن يتوجهوا للخارج من أجل الاقتراض بتكلفة أرخص».
دحض المزاعم
1) فيما يتعلق بعدد الشركات التي رفعت حجم الاقتراض بالدولار إلى 11 ملياراً لهذه السنة، فقد يُفاجأ القارئ بأن عدد هذه الشركات وصل إلى أربع فقط! وثلاث شركات منها هيمنت على 95 % من هذه القروض، وليس «مجموعة» من الشركات كما يحاول التقرير أن يدعي ويعمم. وبخلاف شركة بترو رابغ، فهناك أرامكو (اقترضت بـ7 مليارات دولار في مارس)، وجازان لمشاريع الغاز (اقترضت 1.7 مليار دولار في يوليو). مع العلم أن أعداد الشركات التي حصلت على قروض حتى الآن مقومة بالريال وصلت إلى 14 شركة، وذلك بحسب منصة بيانات بلومبرج التي استخدمها كاتب هذه الأسطر في توثيق وجهة نظره.
2) عندما تكون أنشطتك أو تدفقاتك النقدية مقومة بالدولار فلا بأس إن اقترضت بتلك العملة (مثلاً تستخرج النفط وتصدره للخارج. فهنا تبيع تلك السلعة بالدولار). وعلى النقيض من ذلك عندما تكون أنشطتك العملية مقصورة بالسعودية، وتسعى عندها للحصول على قرض بالدولار، فهنا يتم طرح تساؤلات عدة. فالتدفقات النقدية هي بالريال وأنت تقترض بعملة أجنبية (سنشرح مخاطر ذلك التصرف بعد قليل).
3) أما فيما يتعلق بمزاعم نضوب السيولة فبحسب الأرقام الرسمية تملك البنوك السعودية ودائع تفوق الـ 1.6 تريليون ريال. أي أنه من المستحيل أن تهتز تلك الودائع أمام الإصدارات الحكومية القليلة.
مخاطر الاقتراض بالعملة الأجنبية
ببساطة، فإن مخاطر العجز عن السداد تقل عندما تقوم الدول بالاقتراض بعملتها المحلية. فإذا اقتضت الضرورة طبعت تلك الدول المزيد من عملتها؛ وذلك من أجل سداد التزاماتها المادية. فعملات تلك الدول من المستحيل أن تنضب. ولكن تلك الحكومات سوف تواجه أزمة عندما تشارف احتياطاتهم الأجنبية الانتهاء. أي بعبارة أخرى عندما يصدرون سندات بالدولار. وكلنا شاهد ما حدث عندما تعثرت الأرجنتين بعدما حان موعد سداد سنداتها الدولارية. وعندما نحاول تطبيق ما ذكر أعلاه على السعودية نجد أن جميع السندات التنموية للمملكة كانت مقومة بالريال.