عبدالعزيز القاضي
حنا وهالدنيا مثل صاحب المثل
متحيرينٍ بين خذها وخلها
عبدالله ابن حسن
والخال هو عبدالله السليمان بن حسن، من النواصر من تميم، ولد في عنيزة سنة 1326هـ، ونشأ وترعرع فيها، وغادرها لأول مرة سنة 1341هـ لطلب الرزق، فعمل في الغوص لمدة سنتين، وفي العسكرية خمس سنوات، وبعد أن ترك العسكرية أخذ في التنقل والترحال بين عدد من مدن المملكة، والأقطار العربية المجاورة سعيا وراء المعيشة، وفي السبعينيات الهجرية من القرن الماضي عاد إلى مسقط رأسه عنيزة، واستقر بها، وعمل بعد عودته في البلدية إلى أن ترك العمل سنة 1390هـ بعد أن كُفّ بصره، وقد سافر بحثا عن العلاج إلى الهند ومصر ولكن بلا طائل. توفي رحمه الله عام 1408هـ، وله عدد من الأبناء والبنات، ومنهم شعراء وهم أحمد ومحمد وفهد، وابنه محمد شاعر قصيد ومحاورة معروف ويلقب بـ(ولد الخال)، و(الخال) لقب والده وقد غلب على اسمه بين أصدقائه ومحبيه، ولهذا فإنه كثيرا ما يبدأ قصائده به، قال:
يقول الخال يوم إنه تمنى
وهو بين المحرق والمنامه
بجسر والبحر منّا منّا
ألا ياالله طالبك السلامه
وقال:
عذّب الخال دقّات بقلبه خفية
عند غيري وعندي كنّه النجم هاوي
والخال شاعر من فحول شعراء عنيزة، وهو أحد أهم أصدقاء الراوية الشهير عبدالرحمن الربيعي، وأحد أركان دوريته الأدبية، والخال هو من أطلق على الربيعي لقب (صناجة عنيزة) إعجابا بشخصيته الأدبية، ذكر هذا الأستاذ الدكتور إبراهيم الربيعي في كتابه عن والده الذي عنونه بـ(صناجة عنيزة). وقد رثى الخال صديقه الربيعي بأكثر من قصيدة، منها قصيدة مطلعها:
الحمد للمولى عزيز الجلالي
رب على عرشه بسبع السموات
ومنها:
مرحوم يا مرجع ذهان الرجالي
صناجة عنيزة بتنظيم الأبيات
الصاحب اللي بالصداقة صفا لي
قلب الربيعي بالوفا له علامات
كما قال في رثائه قصيدة سندها على عبدالعزيز الفهد البسام رحمه الله وهو صديق مشترك لهما:
عقب الربيعي غدينا قش
يابو فهد ضاعت الطاسه
الجسم مما جرى لي نش
ونفسي من الغبن حساسه
والكبد كنه تحشه حش
وأسلاك الأفكار منحاسه
وشعر الخال متين سائغ سلس تتعانق فيه الجزالة والسهولة معا، وهو نموذج مثالي لحالة الشعر ولغته الواصلة بين القديم والجديد، ولعل من أجمل قصائده وأصدقها عاطفة تلك التي وجهها لأبنائه بعد فقده البصر ومطلعها:
ضاقت علي الوسيعة يانظر عيني
من قل شوفي وأنا بالبيت منهاني
والخال -رحمه الله- شاعر عذب الروح محب للدعابة، ومن شعره الساخر قصيدة حلوة أرسلها لأحد أصدقائه في الدمام، ومطلعها:
يا راكب من عندنا فوق قبون
ينومس الركاب زين اهذبانه
أزبد وعينه كنها عين بزّون
صفرا إلى جا الليل زاد ابلصانه
وقد أطنب فيها في وصف هذا (القبّون) وهو نوع صغير نظيف خفيف من الخنافس طويل الأرجل سريع المشي رشيق الشكل. وله قصيدة جميلة يتعجب فيها من مخترعات ذلك الزمان كالراديو والمسجل والتلفون والتلفزيون وغيرها، قال:
اهتلت هالتني صنايع هالأزمان
صنايع من شافهن هوّلنّه
صنايع جتنا على أشكال وألوان
صنايعٍ ما بعّدوا قرّبنّه
رواديو ومسجلات بشرطان
من صار قِدْم الآخذه سجّلنّه
والهاتف اللي منه راغنّ الأذهان
العين شافت والإذان اسمعنّه
وذكر التلفزيون من قبل ما بان
يوم إن إذاعات الدول يذكرنّه
جتنا صنايعهم تشاهد بالأعيان
اللي قبل واعقولنا ينكرنّه
ثم يذكر الصواريخ وغزو الفضاء فيقول:
والروس وأمريكا لهم بالفضا شان
تمت صواريخ الفضا وأطلقنه
قامت تزارق بالفضا تقل عقبان
والجاذبيه تحتهن خلفنه
وللخال ديوان مطبوع سنة 1403هـ، وقد كتب مقدمته المرحوم الأستاذ عبدالرحمن البطحي، ومنها كتب هذا التقديم بتصرف كثير وإضافة. وفي ذيل الديوان ألحقت ترجمة للشاعر الكبير المرحوم عبدالله بن دويرج وسبع من قصائده، وكانت علاقة الخال بابن دويرج رحمهما الله قوية متينة فقد كان معجبا بشعره مبهورا بشاعريته، ولعله كان أحد رواته.
أما بيت السياحة أعلاه فهو من قصيدة مطلعها:
عفا الله عن نفس هواها يضلها
يسير القدم بأمره وتمشي ارضىً لها
وهي قصيدة موضوعها (ذم الدنيا) والتحذير منها، وفيها تجلت قدرة الخال الشعرية السهلة الممتنعة، وموسيقاها وإيقاعها الحزين أضافا إليها عمقا وتأثيرا وإقناعا.