عبدالعزيز القاضي
سادوا بك القابات وأهل المقامي
وأهل الثنا رجّالهم تقل مسموم
- الأمير محمد العلي العرفج
والبيت من قصيدة من مطلعها:
هاض الغرام وباح ما كنت كامي
ومن العباير هاض ما كان مكتوم
قال مؤلف كتاب (محمد العلي العرفج) في مناسبة إنشائها إنه قالها «حينما أُمر بالتوجه إلى الرياض وترك بريدة حسما للنزاع الدائر بين الشاعر وبني عمه», قلت: وهذا يعني أن القصيدة قيلت سنة 1243هـ لأنه العام الذي تم استدعاؤه فيه من قبل الإمام تركي بن عبدالله رحمهما الله. والقصيدة موضوعها الشكوى والعتاب مما لاقاه من العقوق من جماعته في موطنه الأثير وقرة عينه بريدة.
ومما يؤسف له ألا يحظى شاعر كبير مثل الأمير محمد العرفج (1190-1258هـ) بالاهتمام الذي يليق بمكانته الأدبية وهو من فحول ورواد شعر النبط في نجد, ومما يؤسف له أيضاً أن يضيع شعره بسبب هذا الإهمال حيث لم يصلنا منه سوى القليل من المقطوعات والقصائد. وقد اجتهد الأستاذ محمد بن عبدالعزيز بن عبدالكريم بإعداد دراسة بعنوان (محمد العلي العرفج/ حياته وشعره) صدرت في كتاب في العام 1411هـ, وكانت غايتها -كما يقول- «إعطاء لمحة موجزة عن حياة هذا الشاعر الأمير الفارس وذكر شيء من حياته ونشأته وعصره وبيئته وشيء من آماله وآلامه..». وإذا كانت هذه الدراسة ينقصها الكثير من التوثيق والتحقيق فإنها نالت شرف الريادة في تقديم الشاعر الكبير للمهتمين.
وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن المعد قد نسب هذين البيتين:
يا دار ليت الزمل تقوى تشيلك
عن ديرة يا دار أنا جزت منها
القض بالفاروع ما يستوي لك
والبيع ما كل يعادل ثمنها
للعرفج استنادا على المرحوم سليمان النقيدان الذي نسبهما للعرفج في كتابه (من شعراء بريدة), والصحيح أنهما لسعد بن حمود الضويان من أهل الشعرا في عالية نجد, قالهما سنة 1250هـ عندما غادر بلدته بسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه «المسعود» أمرائها. وربما تمثل بهما العرفج كما تمثل بهما بعده بأربعة عقود الشاعر علي الخياط صاحب حربية (هذي عنيزة ما نبيعه بالزهيد) الشهيرة, عندما خرج من بلده عنيزة متوجهاً إلى بريدة بعد خلافه مع الأمير زامل السليم في الفترة بين عامي 1287 - 1289هـ ذكر هذا المرحوم عبدالرحمن البطحي في الدراسة التي أعدها عن الشاعر علي الخياط بعنوان (راع البندق).
ومفردة (القابات) في بيت السياحة أعلاه من المفردات القديمة التي ماتت, وهي جمع (قابة) وهو كما ذكر العلامة العبودي في (كلمات قضت): «الشخص الرديء في عرضه وسلوكه الذي يسعى في الأعمال الواطئة وإفساد الآخرين, تقال للذكر والأنثى, وكانوا يشتمون بهذه الكلمة (قابة) فيقولون لمن يبغضونه أو يسبونه: ياقابة. ولا يتلفظ بها المؤدبون أو المتدينون. ومن الأمثال (إن لقيت قابة ما لقيت خرابة) أي إذا وجدت شخصاً فاسداً لم تجد بيتا خربا تذهب إليه..».
قلت: وأظن أن هذه الكلمة لا تزال معروفة بهذا المعنى في القصيم وخصوصاً لدى كبار السن, وقد سمعتها كثيراً لكنها تخففت من معناها الرديء وصارت تقال على سبيل المداعبة أحيانا كما خرجت عبارة (ثكلتك أمك) من الدعاء إلى التعجب والتوبيخ.
والمخاطب في بيت السياحة هو بلدة بريدة, يقول: خلا جوّك لكل ساقط رديء أما أهل الفضل والمقام العالي فقد صاروا منبوذين مكروهين كأن بهم سُمًّا. يعتب على جفائها الأخيار وتسليم مقاليدها للأشرار.