عبدالعزيز القاضي
يا حظي اللي مثل تين الرفيعه
مْصَرْهَدٍ لا هوب حي ولا ميت
هذا بيت متداول ومشهور في عنيزة، ويكاد الإجماع فيها ينعقد على نسبته للشاعر الراوية المرحوم سعد العبد العزيز السليم (ت 1431هـ)، وبعضهم ينسبه لـ(الخرطة) المرحوم عبد العزيز البراهيم السليم (ت 1410هـ) وينسبه آخرون لامرأة مجهولة. وسأل بعضهم الشاعر عبد الله البراهيم السليم أمد الله بعمره ومتعه بالصحة والعافية عن نسبته لأخيه (الخرطة) فنفي ذلك وأفاد بأنه بيت قديم، واتصلت بصديقي وصديق الشعراء والرواة أخي صلاح البسام وسألته عن دقة نسبته لسعد العبد العزيز السليم خصوصا أنه قريب منه شعرا وصهرا، فقال: الذي أعرفه أنه له ولكن أمهلني قليلا حتى أبحث وأتأكد، ثم عاود الاتصال بي فقال: سألت عنه خالد السعد (ابن الشاعر) فقال: إن أخاه عبد العزيز السعد ذكر أنه سأل عنه أباه في حياته، فأجابه بأنه ليس له بل لشاعر أحسائي قديم (وربما سماه له لكن عبد العزيز نسيه)، وأن الناس صاروا ينسبونه له أي لسعد لأنه ذكره في إحدى رواياته فظنوه له، خصوصا أن (الرفيعة) المزرعة المعروفة في عنيزة يملكها والده المرحوم عبد العزيز العبد الله السليم.
ويروى: (مصرود لا حي ولا هوب هو ميت)، ويروى أيضاً (محصرم لاهوب حي ولاميت).. إلخ.
والرفيعة: لا شك في أنها مزرعة في الأحساء، ويبدو أن في كل منطقة ومحافظة خصوصا في وسط المملكة وشرقها وشمالها مزرعة تسمى الرفيعة.
مصرهد، بسكون الميم والراء وفتح الصاد والهاء: حاسر، ضامر، ذاوٍ، منكمش، يابس، متوقف النمو، فهو كما جاء بعده (لا هوب حي ولا ميت) ولا أعرف أنه يُستعمل بهذا اللفظ في القصيم وإن كان سائغا في هذا البيت على ألسنة أهل القصيم، ولم يذكره العبودي في (كلمات قضت). وهذه اللفظة تمثل مصدرًا من مصادر إشعاع هذا البيت.
وعلى رواية (مصرود لا حي ولا هوب هو ميت) فإنَّ معنى مصرود: منكمش ومصاب بعاهة من الصرد وهو البرد الشديد (فصيحة)، ومن أمثالهم (يالله بركة مجرود والا بركة مصرود) قال العبودي في معناه (معجم الحيوان عند العامة): «وزرع مَجْرود: أكله الجراد، وعشب مجرود كذلك، وإذا أكل الجراد العشب في الشتاء وأصابه مطر في الربيع فإنه يجود يقولون؛ لأن قوته تكون في جذوره فيكون أقوى لنباته في الربيع. ولذلك يقولون في أمثالهم: (يا الله بركة مجرود والا بركة مصرود) والمصرود الذي أصابه الصرد وهو البرد الشديد في أول الصباح».
شاهد الشاعر (تين الرفيعة) في ذلك الوقت فرآه بهذه الصورة المزرية فشبه به حظه، والشكوى من سوء الحظ ظاهرة عامة في أغلب البشر، وربما كانت التبرير المريح للنفس للفشل وإهدار الفرص المتاحة.
والعجيب في البيت أنه مدح (الرفيعة) وذمها في الوقت نفسه، فأما الذم فهو وصف تينها بتلك الحالة المزرية، وأما المدح فلأنه ذكرها في البيت، والذكر في الأبيات الشهيرة يمنح الشهرة حتى ولو كان سيئا، قال ابن الدمينة:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
فقد سرني أني خطرت ببالك
وإنصافا لتلك المزرعة التي لا أعرفها أقول إن بعض الأشجار في الجزيرة العربية ومنها (التين) لا يصلح أن يُستشهد بها على جودة التربة وحلاوة الماء ومناسبة الأجواء لها لأنّها ربما جادت عاما ولم تجُد في الذي يليه، وفي قصة (صحن التين) العجيبة التي جرت لرجل من أهالي عنيزة ما يؤكد هذا.