ميسون أبو بكر
الرياض التي تتراءى كمدينة وادعة هادئة كلما تأملتها من نوافذي في الطابق الأربعين ليلا؛ لا تشبه الرياض إن غشّاها النهار وسرت الحياة في شرايينها واستنفر ساكنوها كل إلى عمله ورزقه أو مدرسته أوجامعته.
الرياض لا تشبهها قبل عامين أو ثلاثة، في السابق كانت هناك أوقات للذروة في ازدحام الشوارع بمدينة الرياض، حيث تكاد تختنق حركة السير ولا تسير السّيّارات قيد أنملة، جلّ تلك الأوقات كان وقت خروج الطلاب من المدارس وهو لا يتجاوز الساعتين تقريبا يوميا، وسرعان ما تعود المدينة لهدوئها وسلاسة السير في طرقاتها، كما أن أماكن الازدحام كانت مقصورة على مناطق معينة تعتبر عَصّب المدينة وبؤرة الازدحام فيها كطريق خريص وطريق الملك فهد، وسرعان ما تعود الشوارع لحركتها المعتادة .
اختلف الوضع كثيرا منذ عامين أي قبل أشغال قطار الرياض الذي لاحقا ومنذ أشهر صار له النصيب الأكبر في أزمة السير نتيجة للحفريات وقفل الكثير من الطرقات، وعمل تحويلات كثيرة شلت المرور في بعض المناطق، وقد أصبحت الرياض اليوم بكل طرقها وجلّ أوقاتها تعاني أزمة سير خانقة وعلى مدار الساعة، وليس مبالغة إن قلت إنك يمكن أن تلحظ ازدحاما خانقا عند الساعة الحادية عشر مساء مثلا في منتصف الأسبوع في طريق القصيم امتداد طريق الملك فهد الذي يعد منطقة سكنية جديدة وغير مزدحمة بالسكان والمولات.
السبب الحقيقي في أزمة المدينة المليونية هو نحن! ونحن من يمكن أن يقلل منها إن أحدثنا تغييرا بسيطا على نمط حياتنا، فوجود أكثر من سيارة في المنزل ، وعدم تنظيم حياتنا كإحضار حاجات المنزل شهريا أو أسبوعيا، واستخدام السيارة في المشاوير القريبة ، والتردد على المولات لتبديل السلع لأكثر من مرة، وتسكع الشباب في الشوارع دون وجهة محددة، ويكاد يكون في بعض الأسر لكل فرد سائق، وتوقف السير نتيجة تعطل سيارة قديمة الطراز كان من المفروض أن تتوقف عن العمل، وتمنع من السير في الشوارع، كما أسهم أيضا في هذا الازدحام إعاقة الحوادث المرورية لحركة السير رغم بعض التوجيهات بتحريك السيارات المتصادمة من موقعها إلى رصيف قريب، وقوف السيارات كذلك بشكل عشوائي أمام المطاعم والمحلات التي على جوانب الطريق ووقوفها صفين أحيانا رغم جهود المرور ومخالفة أصحابها إلا أنها ظاهرة موجودة ومزعجة تعيق حركة السير وتسبب إرباكات كثيرة والخطأ يعود إلى عدم تخصيص مصفات سيارات من الأساس لمرافق مهمة مما يشوه المكان ويعيق الحركة. ناهيك عن انشغال البعض أثناء القيادة بمكالمة هاتفية أو إرسال رسائل عبر الجوال.
مجموعة أمور نحن كأفراد مسؤولون عنها بالإضافة لوجود أسباب تعود لأشغال قطار الرياض اأو أمور طارئة أخرى.
السؤال هل رفع أسعار وقود السيارات يمكن أن يخفف من أزمة السير ويدفع المستهلك لتقنين خروجه اللامبرر أحيانا بمركبته؟ كذلك هل فكرة أيام الأرقام الزوجية والفردية يمكن أن تكون حلا؟ رغم أنّي أجد هذا الحل غير منطقي وليس سهلا.
ربما حين يكتمل للرياض مشروع قطارها ويكتمل هذا الحلم الذي سيستغرق لسنوات أخرى؛ وإن تفاعلنا مع هذا المشروع بثقافة عالية وتقبل الأسر لاستخدامه ستكون أزمة السير ماضٍ نتحدث عنه في المستقبل.
حين نتعامل مع مشاكلنا اليومية والأزمات الحتمية بوطنية عالية ونصرّ أن نكون جزءا من الحل لا سببا في المشكلة ، ستكون الأمور أسهل بكثير وممكنة للحل.
في السيارة يجب ان تكون هناك مكتبة صغيرة نستغل الوقت بالقراءة بدلا من الانتظار لوقت طويل، وكتب مناسبة لكل أفراد العائلة، فالوقت الذي نقطعه في الانتظار أصبح يشكل جزءا كبيرا من يومنا في ظل أزمة السير.
من آخر البحر
كل هذا العالم حولي؛
البحيرات
الجبال المكسوة قممها بثلج أكتوبر
نوارس البحر المتوسط
أشرعة القوارب التي تعبر الخلجان
المقاهي التي لا تغلق أمام المارة والفارين من وحدة الليل
الموانئ التي لا تجف من روث البحر
الشواهد على التاريخ من حجر
وبشرٍ ما زالت قبورهم مزارات لمن بعدهم وحدائق أموات..
وأنا ...كقشة في مهب الحزن
مثل حبة ملح ابتلعها المحيط