ميسون أبو بكر
كل عام وأنتم قرائي الكرام بألف خير..
لعل ما دعاني لكتابة هذا المقال ما قرأت وتابعت في المشهد الثقافي السعودي وما يخص الأندية الأدبية وتأجيل انتخاباتها وتأخير ملتقى الأدباء السعوديين وتطلع المثقفين لدور وزارة الثقافة والإعلام في تحريك المشهد الراكد حسب قول البعض.
ولعل عملي في صميم الإعلام المرئي الثقافي ومنذ ما يزيد عن اثني عشر عامًا حيث واكبت مسيرة هذه البلاد في الاهتمام بالثقافة وإبداع المثقف السعودي في أوجه مختلفة سواء بالداخل أو الخارج عبر الأندية الأدبية أو الأسابيع والعواصم الثقافية ومعارض الكتب وغيرها من نشاطات أعتقد أنها قدمت المثقف والثقافة السعودية على أحسن وجه، لذلك يمكنني أن أكتب في هذا وفي هذا الوقت بالذات الذي تعلو فيه أصوات المثقفين وتغريداتهم طالبين من وزارة الثقافة والإعلام الاهتمام بأنديتهم.
لن أكتب لأكون محامي دفاع عن وزارة الثقافة والإعلام بدافع رابطة العمل والانتماء التي تربطني بها ولا عن الوزير الشاب د.عادل الطريفي وخطته الثقافية، لكن سأكتب عن وضع المثقفين أنفسهم كوني كما أدعي واحدة من هذا النسيج الثقافي.
قبل أعوام وعندما أجريت لقاء مع سعادة د.عبدالعزيز السبيل الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية حاليًا ووكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية سابقًا وقد كانت له وجهة نظره «المثقفون لا يصلحون لإدارة الأندية الأدبية» أثارت عددًا من المثقفين وقتها الذين عتبوا عليه واحتجوا على رأيه الذي عبر عنه المشهد قبل عامين وعن صحة هذه العبارة (حسب رأيي) وشهادة المتابعين للشأن الثقافي على حياد، وقد ترجمتها الخلافات التي حدثت بعد إقرار اللائحة الجديدة للأندية الأدبية وخيار التعيين أو الانتخاب لرئيس وأعضاء الأندية ثم نداءات المثقفين لمعالي الوزير.
لطالما نادى المثقفون باستقلال أنديتهم عن إدارة وزارة الثقافة وهم أنفسهم الآن تعلو أصواتهم بإدانة وزارة الثقافة لتأخير انتخابات الأندية التي اقتضتها وضع البلاد في فترة الحرب وتجنيد طاقات وزارة الثقافة والإعلام لهذا الجانب المهم في هذا الوقت الحساس والحاسم كما فترة الحج.
أما عن الدعم المادي فأين ذهب دعم الملايين العشرة التي قدمت للأندية الأدبية سواء الأخيرة من الملك سلمان - حفظه الله- أو السابقة من الملك عبدالله - طيب الله ثراه-، علمًا أن بعض الأندية الأدبية لم تنفق هذا المال على شراء مبنى أو دفع إيجار سنوي!! فهل أخلص أن المشكلة الحقيقية هي في إدارة المسؤولين في هذه الأندية وعلاقتهم بالمجتمع الذي قصرت بعض الأندية في التواصل معه واحتوائه بأطيافه المختلفة!!
المشكلة هي أن إدارات الأندية تنتقد وزارة الثقافة والمثقفين ينتقدون آلية العمل في الأندية والثقافة تبقى بين بين، وأود أن أشير هنا لآراء مثقفين حول القصور في عمل هذه الأندية؛ فقد كان رأي الأستاذ أحمد باديب: لقد شُغل مديرو الأندية الأدبية بدوامات الصراعات من الأجل البقاء فيها للأبد، وشغلوا بتحقيق «برستيجهم» بدلاً من خدمة الأدب والثقافة، وعزلوا أنفسهم عن المجتمع خشية أن يكتشف المجتمع عجزهم عن التفاعل معه» وقد نشر هذا في استطلاع لصحيفة المدينة، كما ذيله رأي آخر للدكتور زيد الفضيل؛ «لم نشهد حتى الآن ظهور مبادرات يكون النادي رئيسًا لها، وفاعلاً فيها لمتابعة أحوال جيل المثقفين والاطمئنان عليهم وتلبية احتياجاتهم وترتيب الزيارات لهم إلى غير ذلك من الأنشطة الفاعلة التي تتلامس مع احتياجات جزء عزيز من المجتمع وهم المثقفون».
وآراء عديدة كانت تصب في الإشارة لانشغال أعضاء الأندية الأدبية بالخلافات الشخصية على حساب النتاج الفكري والفعل الثقافي، وانعكاسات هذه الخلاف على الواقع الفكري، وأسباب غياب نشاطها الثقافي عن خدمة المجتمع والتفاعل مع قضاياه المعاصرة..»
إن نظرنا لهذه الآراء سيكون لدينا يقين أن المشكلة الحقيقية هي بين المثقف وهذه الأندية التي لم تلب طموحه الثقافي والإبداعي التي انشغلت عنه بمشكلاتها الإدارية متجاهلة الهدف الرئيس لها.
وإني لا أدين هنا إدارات كل الأندية ولا يسعني تجاهل إبداعات البعض منها ودأبه على إثراء المشهد الثقافي، كما أضع بعض اللوم على المثقفين أنفسهم الذين انعزلوا عن المشاركة في صنع القرار الثقافي والتأثير في المشهد وإن لم يكونوا أصحاب مناصب إدارية رسمية.
في هذه الظروف التي نمر بها والمستجدات في المنطقة كان لا بد أن يكون للمثقف دوره الفعّال في المشهد وفي التواصل مع المجتمع والأندية، فهل يقف مثقفونا مكتوفي الأيدي بانتظار الضوء الأخضر من الوزارة أو غيرها؟ وأين يا ترى ثمار الجهود السابقة مع وزارة الثقافة فهل تتلاشى عند تغير الوزير وهل نبدأ كل مرة من جديد؟
أين ما أسسه معالي د.عبدالعزيز خوجة؟ ثم خطة معالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري بوضع تصورات حول حل مشكلات الأندية الأدبية وتطوير آليات العمل بها وحرصه على ضرورة إيجاد قاعدة بيانات تفصيلية لكل المثقفين!
في بلادنا المسيرة تستمر ولا نبدأ من البداية رغم تغير أدوات وآلية العمل وليكن لنا قدوة حسنة في ملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي يسير على نهج مؤسس البلاد مكملاً لمسيرة إخوانه الملوك الذين ترك كل منهم بصمته في تاريخ ونماء وحضارة هذه البلاد.
الثقافة سبيل للحياة والتقدم ووسيلة للارتقاء بالمجتمع والسمو بالروح وهي فعل جماعي لا تؤطره أُطر ولا تنتظر الضوء الأخضر من جهة ما، فلتتركوا أيها المثقفون أبراجكم العاجية ولتنفضوا أيها الإداريون الخلافات الشخصية والمصالح الذاتية وليكن لكل صغير وكبير دور في المشهد الثقافي بعيدًا عن تعليق الأخطاء على شماعة الوزارة.