ميسون أبو بكر
لا شيء في العالم يوازي الحوار، الحوار طبيعة إنسانية وصفة إلهية ودعوة سماوية، ولأنه هاجس الإنسان منذ الخليقة فقد بدأ بالتعبير عن نفسه ومخاطبة الآخر بالرسومات على كل ما وقع تحت يده، ثم باختراع حروف اللغة والأصوات، إلى أن وصل بِالإنسان إلى اختراع عدد من الوسائل الحديثة، أهمها وسائل التواصل عبر التقنية في مقدمتها خليجياً تويتر.
أنا من عشاق تويتر لأنه أخذني إلى عالم الكائنات التي عقدت معها جسوراً من الحوار والتعارف لا حدود لها، ولأنه مكنني أن أوصل أفكاري للكثيرين خارج نطاق منزلي وعملي وبيئتي، وفي الوقت نفسه كشف لي الكثير من سطحية الآخرين وتدني ثقافتهم، وعدم قدرتهم على الحوار، ثم عدم قدرتهم على استخدام اللغة أو التمكن من الإملاء وتركيب جمل صحيحة.
الواتس أب ومجموعاته، والفيس بوك الذي حملوه الغث والسمين، ثم العالم الساحر المختزل «تويتر» وضعنا وجهاً لوجه مع الآخر، أزال أقنعة كان يتستر وراءها كتّاب وهميّون ومثقفون سطحيّون وبشر مزيّفون ومدّعون لم يُؤْتُوا من العلم إلاّ قليلاً.
تويتر كان اختباراً حاسماً لغربلة الكثير من الشخصيات، حيث في أقل من مئة وأربعين حرفاً كان يتسابق المتسابقون فيه لاختزال خبر سريع، أو إطلاق تغريدة قد تصل قلوب الآلاف من البشر، إذ أعتبره أيضاً ترمومتراً يمكننا أن نقيس من خلاله انفعالات الآخرين وردود أفعالهم، كذلك جعل عالمنا الكبير قرية صغيرة وجعلنا كطيور مغردة بأفكارنا وأحاسيسنا وتوجهاتنا، وكل هذا في إطار ثقافة كل فرد وتمكنه من اللغة.
في الجانب الآخر كان تويتر قناة للمنظمات الإرهابية التي سرعان ما غزت هذا الفضاء، وسرعان ما استجاب لها البعض من فئة الشباب والأطفال، الذين اختلفت الأسباب على سرعة استجابتهم لهذا الخطر، حيث بصورة أو بأخرى تم غسل أدمغتهم.
وقبل أيام انضمت تركيا إلى الصين وكوريا بحجب التويتر والفيس بوك في أنقرة مؤقتاً بعد حادث التفجير، وقد نشرتُ الخبر كتغريدة أردت بها أن أشرك أكبر شريحة من مستخدمي تويتر حول رأيهم في الحجب؛ اختلفت الآراء وانقسم المغرّدون إلى ممانع تام لهذا الحجب، حيث فيه من وجهة نظره التي لا ألومه فيها حجب للحرية وقطع لقناة فكرية حوارية مهمة وعدم جدوى من الحجب، لوجود قنوات أخرى ينفذ منها الداعشيون إلى أبنائنا، وقد أشاروا لسبل أخرى يمكن من خلاها إيقاف هذا الإرهاب التكنولوجي بتكاتف المجتمع ؛ من خلال الحوار الأسري ومراقبة الأبناء والتركيز على وسائل تدغدغ أحاسيسهم، فلابد أن تكون لديهم الحصانة الفكرية والعقلية ضد أي تهديد مشابه، ومعالجة الإدمان إلكتروني في الوقت نفسه الذي أصبح ظاهرة في المجتمع ولمعظم فئاته، حيث يعتبر 66 % من السعوديين مستخدمين للإنترنت منهم 41 % مغردين حسب business insider ويعتبر السعوديون الأكثر تغريداً عالمياً.
فلا يمكن وقف وسيلة يمكن أن ينافس فيها المثقف والتربوي الإرهابي حسب قول د إبراهيم البعيز، في نشر ثقافة التنوير والتسامح والقيم الإنسانية المشتركة»
بينما في نفس الوقت هناك أصوات تؤيد هذا الحجب والمؤقت، بعضهم مفكرون وكتّاب اتهمهم البعض بالدكتاتورية والهزيمة، في وقت كان يمكن لهم أن يستخدموه كوسيلة إيجابية تأثيرية، كذلك يمكن تعاون الحكومات مع شركة تويتر في هذا المجال، حسب رأي البعض.
لا نريد الهزيمة فكرياً أمام هذا الزحف الداعشي، ولا نريد الانقسام ما بين مؤيد ومعارض أمام فكرة قد يعتبر البعض تطبيقها مؤقتاً هو الحل لوقف النزيف الإرهابي عبر الإنترنت، وقد يعتبره الآخر كإطفاء شمعة يمكنها أن تكون نبراساً في الظلام.
الشباب المضللون «انترنتيّاً» أعمارهم قد لا تتجاوز العشرين لذلك يعتبرون تربة سهلة لغرس هؤلاء الذين يكيدون لأوطاننا، وإني وغيري لنعوّل كثيراً على الأدباء والمثقفين ودورهم في استخدام هذه الوسائل لكسب الشباب العاطفي والأخذ بيده.
القارئ الكريم، عام جديد يطل وعام مضى مليء بما حملنا من مآسيه وأحزانه، كتب الله لأوطاننا الأمن والاستقرار ولنا الطمأنينة والخير.