علي الصراف
عندما تعتبر إيران نفسها «حامي حمى الشيعة في العالم»، أليس من حق الناس أن تسأل: على أساس ماذا؟
هناك سؤال آخر لا مفر منه، تدركه الثقافة الشعبية، والسؤال هو: أهي مصلحة الشيعة، أم مصلحة أصحاب المشروع الصفوي في إيران؟
وثمة سبع حقائق يحسن أن تُؤخذ بعين الاعتبار:
الحقيقة الأولى، هي أن الدور الذي تنسبه إيران لنفسها، هو أولاً وآخِراً، تعبير عن «مشروع طائفي».. وهذا مما لا يتلاءم مع مصالح الشيعة أنفسهم.. والحال، فحتى أعتى الطائفيين (في العراق مثلاً) ينددون، ولو على سبيل التقيّة، بالمشروع الطائفي، لأنهم يدركون أن هذا المشروع مرفوض من لدن الغالبية العظمى، أينما كانت.. بل إن قادة المشروع الطائفي الصفوي في إيران أنفسهم ينددون، هم أيضاً، بالمشروع الطائفي، ولو من دون أن يلاحظوا موطئ أقدامهم فيه.
والحقيقة الثانية، هي أن الشيعة، إذا كانوا أقلية بين أشقاء سنّة (كما هو الحال في جميع الدول الإسلامية، بما فيها العراق)، فليس من مصلحتهم أن يستعدوا الأكثرية عليهم على أساس طائفي.. فالتعايش بين الطوائف والأقليات، يتطلب ترابطاً وتداخلاً وشراكة تحد من الطبيعة الخشنة أو الشرسة لأي هوية تعلو على الهوية التي تفرضها الشراكة الوطنية أو الاجتماعية.
وككل مشروع أقلوي، فإنه سرعان ما ينقلب وبالاً على أصحابه، إذا انتقلت عدواه إلى مشروع مماثل لدى الطرف الآخر، يبرر نفسه بأكثريته على الأقل.
والحقيقة الثالثة، هي أن «المرجعية الإيرانية» لا قيمة لها في العالم.. ذلك أنها مرجعية مزيفة من ناحية الفقه.. وذلك لأن توافقاتها (لا سيما حول بدعة «ولاية الفقيه») لا تزال موضع جدل عنيف داخل أوساط الشيعة.. وذلك لأنها مرجعية غير مؤسسة تأسيساً معرفياً وطيداً.. وذلك لأن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم «مراجع» نالوا تلك الدرجة لأسباب سياسية، حيث كانت النجف تقدمها من أجل توفير الحماية لهم.
والحقيقة الرابعة، هي أن المشروع الطائفي إذ يأكل من حقوق الدولة الوطنية، كما يشكل تهديداً لطبيعتها ولدورها، فإنه يأكل في الواقع من وطنية الشيعة أنفسهم.. والوطنية ليست انتماء من دون قيم.. بل إن قيمه الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي وطدتها الشراكة الوطنية على امتداد عقود طويلة من الزمن، أرفع مقاماً بكثير، بل وأكثر قيمة بكثير من أي ارتباطات تستند إلى «الهوية» الطائفية.. (وهذا سؤال غير عابر قد يساعد في تحديد تلك القيمة: هل يوجد «سوق» داخلي لأي طائفة؟ أم أن السوق الوطني هو سوق الشراكة والتداخلات؟).
والحقيقة الخامسة، هي أن الشيعة في إيران هم أكثر وأكبر المتضررين من المشروع الطائفي.. ذلك أنه ينفق مواردهم الوطنية لتحقيق أهداف لا سبيل لتحقيقها في الخارج، كما لا يمكن الحفاظ عليها.. وذلك لأنه يجبرهم على تقديم تضحيات في حروب لا طائل من ورائها إلا الأذى لأنفسهم وللآخرين.. وذلك لأنه يبدد وظائف دولتهم الوطنية ويحوّلها إلى جهاز مليشياوي.. وذلك لأنه يجعلهم يدفعون من حياتهم ثمناً باهظاً للدوران في حلقة «ثورة» فارغة لم تقدم لهم إلا الفشل الاقتصادي والعجز التجاري والتضخم الصاروخي.. (وبالمناسبة، فإن التضخم في إيران - الثورة، يطير إلى ارتفاعات أعلى من صواريخ الحرس الثوري).
والحقيقة السادسة، هي أن من لا نفع فيه لأهله، لا يمكنه أن يوفر منفعة للآخرين.. نقول في العادة: «فاقد الشيء لا يعطيه».. وقد كان من الطبيعي تماماً أن يعطي المشروع الطائفي الإيراني التعسف والقمع والخراب والفساد وسفك الدماء لكل مكان تمدد إليه، لأنه بطبيعته لا يمكنه أن يعطي نمواً اقتصادياً، ولا تقدماً اجتماعياً، ولا حريات.. ومثلما تم سحق انتفاضة الإيرانيين من أجل انتخابات ديمقراطية حقيقية بالحديد والنار، فقد تم سحق انتفاضات الجوار ضد المشروع الطائفي الإيراني بالحديد والنار أيضاً.
أما الحقيقة السابعة، فهي أن أصحاب المشروع الصفوي، يتخذون من اللطم تعلة وتقية للطم على دور فارسي ذي طبيعة عنصرية محضة.. ذلك أن الفرس ينظرون إلى أنفسهم كأصحاب حضارة غابرة، وتستحق أن تفرض نفسها من جديد، من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن الحضارة بناء إنساني متعدد المستويات، لا مشروع مليشياوياً.. ومن دون أن يروا أن أي مشروع يتعين أن ينجح في أرضه قبل أن ينتقل ليقدم نموذجه للآخرين.. وذلك لأنهم ينظرون إلى الحضارة الإسلامية على أنها «حضارة بدو»، من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن «بدو» الإسلام قدموا، بتحضُّرهم، للبشرية كلها قيماً إنسانية وأخلاقية وحضارة امتدت من الصين إلى الأندلس.. وفي الأندلس لا يزال الإسبان أنفسهم يأسفون على هدمها لصالح الهمجية التي حلت محلها.
ولكن، من لا عين له، لا يمكنه أن يأخذ بعين الاعتبار أي شيء.