علي الصراف
أحمد محمد، الطالب المسلم ذو الـ14 عاماً، كشف، في معاملة مجتمعه له، عن حقيقة لا تقل أهمية عن الساعة التي صنعها، وأدت إلى اعتقاله.
القصة معروفة.. طالب مولع بالعلوم، ويرتدي قميصاً عليه شعار وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، صنع ساعة،
وحملها إلى مدرسته لكي يقدمها لمعلميه، حيث يدرس في أحدى مدارس بلدة إيرفينج في ولاية تكساس. ولكن بما أنه مسلم، فقد ساد الظن أنها قنبلة، وتم تكبيله بالأصفاد واعتقاله والتحقيق معه على هذا الأساس. ولولا اهتمام الرئيس باراك أوباما بالأمر لكانت حياة هذا الطفل قد تحطمت قبل أن يُبث للمحققين، أنها... ساعة.
لا بأس بكل هذا.. إذ يمكن القول إن معاملته كمجرم كانت حماقة عنصرية أخرى من بين الكثير جداً من الحماقات التي يعرفها كل طالب مسلم في مدرسته، مع كل معلم مصاب بالهستيريا، ومع كل رجل شرطة «ضَبَط» ساعته على الخوف من المسلمين، بل ومع كل فرد من أفراد مجتمع غربي «تعلم» (بكل ما أتيح له من وسائل) أن ينظر إلى المسلم على أنه تهديد حتى عندما يصنع ساعة.. مع ذلك، فهناك شيء أسوأ، وأعم، ويتكرر كل يوم.
بعد أيام من كل الضجة التي أثيرت حول ساعة أحمد محمد، وبعد أن بدا أن القضية الجنائية انتهت، وبعد أن انكشف واقع أن مدرسته يقودها معلمون حمقى،.. جاء دور قائد الشرطة في إيرفينج ليقول شيئاً أزاح النقاب عن القاع الثقافي الذي يقف عليه الغرب اليوم.
قال قائد الشرطة لاري بويد لشبكة (سي.إن.إن) (يوم 18-08 الماضي): «إن الضباط المسؤولين عن أمن المدارس قالوا إنها ليست قنبلة، لكنهم حققوا فيما إذا كان محمد قد جاء بالساعة إلى المدرسة بنية إثارة الفزع». وأضاف بويد: «إن تصنيع قنبلة هيكلية واستخدامها لبث الخوف بين الناس واستدعاء أجهزة الأمن أمر يخالف القانون».
أحمد محمد، بناء على هذا التأويل، ما يزال مجرماً محتملاً!.
بعد كل الذي حصل، وبعد كل الحقيقة التي انكشفت، وبعد كل الاهتمام، ما يزال عمل هذا الطفل مثيراً للشك. إنما على أساس تأويل مفزع للنوايا، يتجاوز كل دليل، ويتجاوز كل حقيقة.
والحال، فنحن أمام واقع يراه ويعرفه كل مسلم يعيش في هذا «الغرب المتحضر». هو أنه يُحاسب ليس على أفعاله، وليس حتى على النوايا، وإنما على تأويل مفزع لها.
يكفي أن تكون مسلماً، حتى تكون تهديداً. وحتى لو أنك صنعت ساعة، فإن عملك سوف يُنظر إليه، ليس كما يبدو، وإنما حول نواياك منه. وبما أنك مسلم فلا بد أن نواياك سيئة.
لهذا السبب، يعرف المسلمون، كلهم، أنهم إذا دخلوا صالة مطار، أو جلسوا في مقعد طائرة، فخير لهم ألا ينطقوا بأي كلمة. لأن الهستيريا الثقافية التي ينظر بها «الغرب المتحضر» لكل مسلم، سوف تعتبرها تهديداً محتملاً، مهما كان المعنى الذي يقف وراء تلك الكلمة.
هذا الحال، هو في الواقع، حال غير مسبوق.. ولا يكفي تقديم أيّ أوصاف له، لأنه أبعد من كل وصف. لا وصمه بـ»العنصرية» يكفي، ولا حتى بـ»الفاشستية». لأنه يقوم على قاعدة تتجاوز كل الأسس، المادية والقانونية والأخلاقية، التي يزعم الغرب أنه يبني «تحضره» عليها.
العنصرية والفاشية كانتا موقفاً استعلائياً للتعبير عن التفوق على أساس أيديولوجي. أما التجريم المسبق على أساس تأويل النوايا، فإنه «ساعة» جديدة لم يحلم كل الفاشيست أن يرتدوها.