علي الصراف
يحسن في السياسة أن يضع المرء عواطفه جانباً. السياسة حساب عاقل في نهاية المطاف، وهي حساب بارد لموازين القوى. وكلما تجرد الحساب من الزوائد الكلامية والافتراضات المسبقة كان أفضل.
انطلاقاً من حساب كهذا، هل يمكن لإيران أن تشكّل تحدياً حقيقياً للمملكة العربية السعودية؟
هذا السؤال يكاد لا يسأله عاقل؛ لأن جوابه شديد الوضوح.
السعودية - بمفردها - واحدة من أكبر 20 قوة اقتصادية في العالم. إنها صانع قرارات في هذا العالم. ولئن قيل إنها تملك أكثر من 650 مليار دولار من الاحتياطات المالية فإن ثروتها السائلة الداخلية والخارجية أكبر من ذلك بكثير. أما ثرواتها غير السائلة، وغير المستثمرة، فليس من المبالغة القول إنها كافية لكي تجعل منها واحدة من أغنى عشر دول في العالم.
ضع إيران في هذا المقابل، وستجد أنها كيان يقف على حافة الإفلاس. ومعدلات التضخم السنوية الهائلة شاهد واحد من بين دلائل واقعية عدة على أن هذا البلد يقضم أظافره فقراً.
السعودية تقود في الوقت نفسه مجلساً للتعاون الخليجي، وهو قوة اقتصادية تشكِّل محركاً كبيراً من محركات الاقتصاد العالمي. دع عنك النفط والغاز اللذين يقدم هذا المجلس للعالم نحو ثلث احتياجاته منهما، من هذين المصدرين الرئيسيين من مصادر الطاقة.
وبينما ظلت إيران تعاني انكماشاً فعلياً في النمو للسنوات العشر الماضية، حتى لم يتجاوز ناتجها الإجمالي 400 مليار دولار في العام الماضي (أو ما يعادل الناتج الإجمالي لدولة الإمارات العربية وحدها)، فقد وصل الناتج الإجمالي السنوي للسعودية إلى نحو 800 مليار دولار (تحديداً 2.8 تريليون ريال)، وذلك بينما تضاعف الناتج الإجمالي لدول مجلس التعاون ليصل إلى نحو 1.8 تريليون دولار في العام الماضي. أي ببساطة، أربع مرات أكبر، وذلك على الرغم من سعة مساحة إيران، وعلى الرغم من ضخامة عدد السكان الذي يكاد يصل إلى أكثر من ثلثي عدد سكان دول المجلس. وهذا يعني، ببساطة أيضاً، أن حصة السكان في إيران من عائد بلدهم الإجمالي أقل من الثلث، بنسبة موازية تماماً.
ضع الناتج الإجمالي فوق عدد السكان وستجد أن شعوب إيران تعيش ليس في ظل فقر مدقع فحسب، بل في ظل بيئة لا يسعها إلا أن تزيد الفقر فقراً. (ولهذا السبب فإن مشاعر «الثورة» والسعي لتصديرها يظلان أمرين مهمين لنظام «الولي الفقيه» للتغطية على فشله المروع).
وبينما يصل متوسط دخل الفرد في السعودية إلى نحو 40 ألف دولار سنوياً فإنه يصل إلى 15 ألف دولار في إيران. ووفقاً لتقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2014 فقد احتلت السعودية المرتبة الـ34 بين دول العالم، بينما احتلت إيران المرتبة الـ74، وهي مرتبة أدنى من أي دولة خليجية أخرى. حتى أن ليبيا كانت في وضع أفضل؛ إذ احتلت المرتبة الـ55.
لا سبيل أيضاً للمقارنة بين القوة العسكرية التي تشكلها السعودية حيال القوة العسكرية الضعيفة والمتصدعة التي تمتلكها إيران.
بصراحة، لا طائرات إيران طائرات، ولا صواريخها صواريخ.. إنها مجرد نكتة لإقناع الإيرانيين بأن لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم.
نعم، مثل أي قوة عسكرية (حتى ولو كانت بدائية) فإنها يمكن أن تلحق ضرراً، إلا أن إجمالي القوة العسكرية الإيرانية هزيل للغاية، ليس بسبب صواريخها البدائية الصنع، وليس بسبب طائراتها المتهالكة، وإنما أيضاً بسبب الفقر التكنولوجي لهذه القوة.
صحيح تماماً، في المقابل، أن إيران تملك قوة مشاة ضخمة حتى أنها تستطيع تجنيد مليون جندي في أي مواجهة عسكرية، ولكن العالم كله رأى ماذا تعني قوة المشاة عندما تحول غزو العراق للكويت (بمشاته) إلى مقبرة جماعية. كما رأى العالم كيف تجرعت إيران «كأس السم» في الحرب ضد العراق، رغم كل قوة المشاة تلك، التي ذهب مليون ضحية منها هدراً.
وبسبب مكانة السعودية، فضلاً عن مكانة دول مجلس التعاون (الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية معاً)، فإنها تملك القدرة على أن تجند من التضامن الدولي ما لا تستطيع عشر دول مثل إيران أن تجنده.
هل هناك من حاجة لعاقل أن يتحدث عن مكانة السعودية في العالم الإسلامي؟
إنها مركز الثقل الأكبر والوحيد والأول. إنها قِبلة الناس، وقِبلة حجهم، وقِبلة قادتهم أيضاً.
وبالاعتدال والحكمة والتصرف الحصيف بالقدرات والموارد، بل وبالانشغال اللانهائي في السعي لتحقيق الاستقرار والأمن لضمان الأرضية المناسبة لمتابعة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي ومعالجة القضايا التنموية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية كافة، فقد وجدت السعودية نفسها شريكاً في التنمية في كل مكان، وعوناً لإعادة الاستقرار في كل مكان، ورائداً أول في مد يد العون في كل مكان.
هذا وغيره يجعل من أي تحدٍّ للسعودية مجرد حماقة من حماقات الزمان، حتى أنك لست بحاجة إلى أن تعرف كيف يُصغي كبار قادة العالم لقولها إذا شاءت فقالت. والكل يعرف أنها بلد مسالم، حتى وهي تحارب.
إذا كانت المسألة مسألة «موازين قوى» فهذا حساب بارد، ولكن واقع الحال أبعد؛ إذ لم تجتمع عبقرية مكانة ودور في بلد ملثما اجتمعت في مملكة الخير هذه.
إنها هبة من هبات الخالق - عزّ وجل - لأهل هذه الدار.
بعد ذلك لن يمكنك أن تضع العواطف جانباً.