محمد الخنيفر
من المتعارف عليه أنه خلال أوقات الأزمات الاقتصادية تكثر الشائعات والتكهنات التي لا أساس لها من الصحة. وعلينا أن نوازن الأمور ونحتكم للغة المنطق والارقام عندما نقوم بتحليل الأمور التي تتعلق بالسيولة بنظامنا المصرفي المتين. مع شروع مملكتنا بتنويع مصادر التمويل عبر الاقتراض من أسواق الدين، سوف نبدأ بسماع تكهنات لبعض المراقبين تفيد بأن نمو الودائع سوف يبدأ بالانكماش وأن السيولة بالقطاع المصرفي ستبدأ بالتقلص. ونضوب السيولة بلغتهم المصرفية يعني (Liquidity Crunch). فإذا تم سحب الودائع الحكومية من أجل تغطية العجز،بحسب تكهناتهم، فإن هذا قد يؤدي الى حدوث أزمة سيولة في السوق البينية للمصارف (Interbank Market ). وسوف يقود ذلك لحدوث ارتفاع حاد في أسعار الفائدة بسوق النقد. وإذا حدث ذلك في أي اقتصاد عالمي، فإن قدرة البنوك على إقراض الشركات سوف تضعف مما يضعف آفاق النمو الاقتصادي بتلك الدول.
دحض تلك التكهنات بالأرقام
-بحسب الأرقام الرسمية تملك البنوك السعودية ودائع تفوق الـ 1.6 تريليون ريال. أي انه من المستحيل أن تهتز تلك الودائع امام الإصدارين الحكومين من السندات والتي بلغت قيمتهما مجتمعان 35 مليار ريال.
-تقدر وكالة موديز أن ودائع الحكومات والهيئات شبه الحكومية وشركات النفط الوطنية توفر حوالي 10-35 بالمئة من تمويل البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي الست.وعلية فنسبة الودائع الحكومية ليست بالضخمة. وعلينا أن نأخذ في عين الاعتبار كذلك ان انحدار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 قد خفض دخل الخليج من تصدير النفط وهو ما ينذر بتقليص التدفقات النقدية على البنوك الخليجية.
-يملك البنك المركزي السعودي سجلا ناصعاً عبر قدرته في حماية نظامنا المصرفي وعبر عدة عقود من أي أزمة حادة. وفضلا على حسن الإدارة، تملك المملكة احتياطيات مالية ضخمة في الخارج والتي تستطيع تسييلها، في أي لحظة، وإعادة تلك الأموال الى الداخل وذلك لتبقى الأسواق المحلية مترعة بالسيولة.
مؤشران مهمان
على القارئ الإقتصادي أن يتعود الآن على سماع مصطلحات جديدة من شأنها أن تلخص وضع السيولة المصرفية وكيفية مراهنة المتداولين الغربيين على عملتنا الوطنية الريال.
(1) السايبور
قبل أن نُعرف السايبور، علينا أن نبين ان هناك سوقا بينية للبنوك يقومون فيها بالاقتراض من بعض. فالمصرف الذي لديه فوائضا بالسيولة يقوم بإقراض المصرف الآخر الذي يعاني نقصا منها. ويتم تسعير فائدة الاقراض تلك بين البنوك وذلك وفق مستويات الطلب والعرض. وكلما انخفضت الودائع انكمشت السيولة وانعكس ذلك بإرتفاع سعر الفائدة بين البنوك. فالسايبور هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية. ولقد ارتفع السايبور الخاص بثلاثة اشهر يوم الاربعاء الماضي إلى نحو 0.82 بالمئة في الأيام القليلة الماضية بعد أن كان مستقرا عند مستوى قياسي منخفض قدره 0.77 بالمئة منذ مارس آذار.
وهذه زيادة بسيطة تكاد لا تذكر فضلا عن كونها تكاد تكون غير مبررة. فتلك الودائع «التريليونية» لا تنخفض بوتيرة سريعة بما يكفي للضغط بشكل خطير على الأنظمة المصرفية. وعليه نستنتج أن السيولة لا تزال وفيرة . وعلى العكس من ذلك فإن انحسار السيولة يقود لرفع التسعير بين البنوك. على مصارفنا أن تدرك أن «السيولة» هي كلمة مطاطة وغامضة ومن الصعب قياسها بدقة. ولا أحد يعرف ندرت تلك «السيولة» الا عندما تأتي اوقات الازمات.
(2) سوق العقود الآجلة
عجيب ما يفعله المضاربون الأجانب بعملتنا الوطنية بأسواق العقود الآجلة. ويبدو أن هؤلاء المتعاملون بدأوا يراهنون أن الريال سوف يضعف بعد ارتباطه بالدولار لما يقارب للثلاثين عاما. وفي غياب التعاملات الفورية ينظر إلى العقود الآجلة غالبا كمؤشر على معنويات السوق تجاه المنطقة.
وما حدث الأربعاء الماضي هو هبوط الريال السعودي بشكل حاد مقابل الدولار في سوق العقود الآجلة ، مقتربا من مستويات غير مسبوقة منذ 12 عاما. وقفز الدولار مقابل الريال في العقود الآجلة لأجل عام 290 نقطة مسجلا أعلى مستوياته منذ مارس آذار 2003 مقابل 140 نقطة في إغلاق الثلاثاء. قبل أن تستقر لاحقا إلى 230 نقطة.
وكما نعرف فنحن لا نستطيع التحكم بهذه التداولات على عملتنا ولكن نستطيع أن نعرف أن هؤلاء المضاربون يتكسبون من نقص المعلومات. وسوف نذكر بإيجاز الرهانات التي ذكروها عن قطاعنا المصرفي والتي سبق أن تم دحضها أعلاه.
1-قلق بشأن السيولة المصرفية بعدما أصدرت الحكومة السعودية سندات بالعملة المحلية.
2-الارتفاع الطفيف للفائدة على الريال السعودي بسوق النقد.
3-المراهنات بفك الارتباط مع الدولار بعد انخفاض أسعار النفط والانخفاض التدريجي للاحتياطيات الحكومية وكذلك انخفاض عملة الصين اليوان.