أمل بنت فهد
التذبذب بين موقف وآخر لحظة يكون محور الحديث عن إنسان تعرفه.. وعندما أقول تعرفه فإني أقصدها بعمقها وجذورها.. إنسان عرفته بمواقفه وله تاريخ معك ما بين فرح وحزن.. تضحية وإيثار.. اصطدام واتفاق.. وأحداث كانت كافية لتحفظه عن ظهر قلب.. عندما يستطيع أحدهم أن يزعزع فكرتك عنه بحديث ملتو.. بمقصد بريء أو خبيث.. فأنت تعيش أزمة ثقة بالآخر تحرمك لذة لا يتذوَّقها إلا الواثق من نفسه واختياره ومشاعره.. وتكلفك خسارة صديق لن يتكرر في حياتك.. فالصداقة قد تكون أعظم من الحب.. ولها مواثيق تضاهي في غلظتها ميثاق الزواج.. فهي رابط يقوم على التصديق والإيمان بمن اصطفيته لنفسك.. حد الرد على حديث النفس في موقف أزعجك منه.. فأنت جاهز لتحكم أن لديه أسبابه ومبرراته.. عرفتها أم لم تعرفها.. بينكم من المصالح المشتركة ما لا يمكن أن يكون في أي شراكة أخرى.. وكل علاقة لا بد أن يكون فيها مصلحة ما.. وتلك الحقيقة لا تقدح في المصداقية إنما تجعل الإنسان ينضج في تعامله مع الآخر.
وعندما تخوض في أي موضوع يطرح دون أن تتأكد من معلوماتك.. ودون أن تكون لديك شهية الحوار أصلاً.. فأنت تعيش أزمة ثقة في نفسك وتضع نفسك في موقف المهرج والغبي.. وتنسى أن فضيلة الإنصات العميق وحتى الاستماع السطحي تفوق الثرثرة.. في موقف كهذا أنت تعرف أنك فارغ وتحاول أن تماري فراغك وسطحيتك بالهراء.. لذا تعلّم أن تتحدث في فنك وما تجيده.. ولن يعيبك أن تجهل تفاصيل موضوع لا يهمك.. فالعيب كل العيب أن تقحم نفسك في موقف محرج ربما تكون آخر من يعلم أنك أصبحت «مسخرة» المجلس.. وما أكثرهم في مواقع التواصل الاجتماعي.. اهتزت هيبتهم.. وتساقطت مصداقيتهم.. لحظة انحرفوا لفريق «المدرعمين» وارتطموا بعقلية القارئ التي لم تعد كما كانت جاهزة للتصديق، بل متحفزة للحوار حد الجدل.. فما أعظم أن تحترم عقول متابعيك وقراءك.. ولا تنتهك تلك العلاقة بغرور العارف بكل شيء.. فلا أحقر من كاتب أو محاور يخون قلمه.
وعندما يكون مصدر معلوماتك واحداً ومحدداً.. فأنت في غفوة عقل وهيمنة عاطفة.. قد تجعل حياتك كلها مبنية على أوهام.. وتعيش عالة على عقل غيرك.. إنها أزمة ثقة معرفية مطلقة.. ستحرمك قطعاً من رفع رأسك نحو الأفق.. وستبقى حبيس دائرة ضيقة.
لذا راجع ثقتك وأين وكيف تمنحها.. وتعلم كيف تصنع لثقتك مكيالاً.. حتى لا تغرقك أو تحرمك.