ميسون أبو بكر
لعلني لن أتحدث في هذا المقال عن قرار مجلس الوزراء مؤخراً للموافقة على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، حيث يؤسس التنظيم المشار إليه هيئة عامة ترتبط تنظيمياً برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتتولى العمل على توليد الوظائف ومكافحة البطالة في المملكة، لكنني سأتحدث عن العمل والإبداع ومكافحة البطالة بطريقة أخرى ربما تكون ذاتية تنبع من الفرد نفسه.
إذ إن العمل أمر إلهي ورد في أكثر من آية في القرآن الكريم، فهو كذلك تجلّى في قدوتنا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مارس مهنة الرعي منذ صغره ثم التجارة التي استأمنته عليها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، والعمل أيضاً حاجة حياتية لسد حاجات الإنسان من مأكل وملبس وأمور أخرى كذلك هو حالة وجودية وضرورة نفسية ليشعر الإنسان بكيانه ووجوده وقيمته المعنوية، كما أنه من خلال ممارسة مهنة ما فإنه يصرف طاقاته الكامنة بطريقة أو بأخرى وقد يمارس موهبة ما إن كان هذا العمل قد اختاره بناءً على رغبته وتوجهاته وبراعته الجسدية والذهنية.
لذلك تعتبر المرحلة الجامعية لمن يكملون دراستهم مرحلة مهمة من حيث اختيار التخصص العلمي المناسب لقدرات الإنسان ورغباته، مما ينتج أفراداً منتجين مبدعين في المجتمع، يتقنون أعمالهم بروح توّاقة للإنجاز والإبداع، لذلك يعوّل على هذه المرحلة كثيرا وإنه لعلى درجة من الأهمية تخصيص مختصين في مرحلة الثانوية العامة لتوجيه الطلاب لاختيار التخصص المناسب، الذي يتناسب مع قدراته ومواهبه مع مراعاة متطلبات سوق العمل.
العمل كما اتفقنا ليس مجرد وظيفة وحسب ودخل مادي، بل هو أكثر من هذا، لذلك وقد أشرت في مقال سابق لخطر السعودة الوهمية التي يمارسها بعض القطاع الخاص كي يتعدون الخط الأحمر غير آبهين بمخاطر هذه الخطوة التي قد تحول الشاب إلى عاطل حقيقي عن العمل وشخص لديه فراغ كبير قد يشكل خطراً جسيماً على مجتمعه ويتحوّل بسبب الفراغ وعدم استهلاك طاقته إلى إنسان غير منتج، جاهل وخطر أيضاً.
يجب أن يعي هؤلاء الأفراد الذين يمارسون هذا النوع من التحايل على القوانين ما معنى المواطنة الحقيقية والمسؤولية المجتمعية، فلا يكونون سبباً في خلق ظاهرة اجتماعية خطرة ومقيتة على الشباب أنفسهم الذين يلجأ بعضهم إلى هذا الموضوع غير آبه بالعواقب يقوده حاجته للمال ثم يتعود الكسل وعدم الإنتاج ثم تتطور لأمور نفسية وفقدان شعور الانتماء الحقيقي للوطن.
هناك أسباب كثيرة لعدم الإنتاج والتعثّر لدى البعض كأن تكون وظيفة ما هي الخيار الوحيد الذي أتيح للشخص فيجبر أن يمارسها وأن يتواجد فيها لتمضية الوقت وبدون دوافع نفسية تمكنه من تأديته لعمله على أكمل وجه.
لذلك نجد الكثير من التذمر من موظفين سواء حكوميين كانت الوظيفة مجرد فرصة جيدة بالنسبة لهم أو في القطاع الخاص، حيث أسهل النماذج التي ممكن أن أشير إليها تأثيث المحلات والتي يشكو الكثيرون من عدم كفاءة العاملات فيها وقد يُعزى السبب لعدم تدريبهم الوقت الكافي وعدم وجود الوازع الذاتي للإنجاز والتميّز بالإضافة للحوافز المالية التي قد لا تكون مشجعة.
المواطنة تتعزّز في الإنسان من شعور الفرد بمسؤوليته تجاه مجتمعه ومن تأديته الدور الحقيقي له ومن إنجازه لعمله على أكمل وجه، ومن شعوره بقيمته من خلال نوعية العمل الذي يقدّمه والإضافة التي يضيفها للمجتمع.
يُعد الغرب أنموذجاً رائعاً في الالتزام بجودة العمل، وندرة أخطاء الموظفين، وقدرة الموظف أو العامل على الإنتاج والإبداع في وظيفته، لذلك تنشأ أجيال متميزة في المدارس التي أحسن فيها المعلمون تأدية دورهم وكونهم القدوة لهؤلاء، ثم في الوظائف التي يجيد موظفوها العمل بها مما لا يترك ثغرات ويؤخر الإنجاز ويزهق أرواح المراجعين، فيعطي الموظف الزبون حقه في الخدمة.
حين تكون كل تلك الدوافع محفّزاً للفرد فإنه سيكون فرداً منتجاً ومميزاً في مكانه، وحين تكون المواطنة أساس الانتماء فإنها ستكون سبباً كافياً للالتزام والتميز، وحين يكون الله في قلوبنا فسنكون قادرين على مراعاة ما أوكل إلينا.
من آخر البحر
سأُبقي سمعي مشرعاً لمواويلِ حُبٍّ
كان يمكن أن يكون أسطورة القلب
وقصة امرأة مُلْكُها الصحراء
وقبائل امتهنت النقش على رمالها
برماد النار..
سأتركه مواربا لقصائدَ
وذكرياتٍ هاربة من قبضة الذاكرة
لامرأة تسرِّح ُشعرها الريح كلما عوت قرب بيتها
وكلما هبّت ريح الشمال
بوصلتها القلب..