د.عبدالعزيز العمر
لا شيء يدمر تعليمنا مثل أن يصبح تعليماً منفصلاً عن الواقع المعيشي لطلابنا، ومنبتًّا عن مشكلاتهم الحياتية اليومية؛ ليتحول إلى مجرد عبء ثقيل على الطالب وعلى الدولة. إذا لم يسهم التعليم في حصول الطالب على تفسير ومعنى حقيقي لما يجري في محيطه وفي بيئته فلا قيمة للتعليم. ليس هناك أسوأ من أن يتم إثقال الطالب بحمولة معرفية، لا يدري كيف يستفيد منها، ولا كيف يوظِّفها للرقي بحياته. في دراسة قديمة نوعاً ما تم مقارنة حصيلة الطالب خريج الثانوية في السعودية بنظيره الطالب الغربي. أظهرت هذه الدراسة أن طالبنا يتفوق على الطالب الغربي في الكم المعرفي الكبير، أي في مقدار وحجم ما يمتلكه من معلومات وحقائق. في المقابل يتفوق الطالب الغربي في مهارته وقدرته على توظيف المعرفة والحقائق التي حصل عليها؛ لكي يفسر لنفسه كل ما يراه حوله من ظواهر، ولكي يحقق لنفسه فَهماً أعمق. ولقد ترتب على انفصال تعليم طلابنا عن واقعهم المعاش أن أصبح خريجو نظامنا التعليمي غير قادرين على مواجهة الحياة، ولا مهيئين للتفاعل المنتِج معها. وكلٌّ منا يتذكر في هذا الشأن قصصاً مأساوية، تكشف بوضوح كيف أن كثيراً من أبنائنا مترددون وعاجزون اليوم عن اتخاذ قرارات نوعية، تتصل مباشرة بمستقبلهم المهني والتعليمي والاجتماعي، فينسحبون من الموقف تاركين لآبائهم صنع مثل هذه القرارات. يحدث هذا في وقت نحن ندرك فيه أن من بين أهم أهداف التعليم اليوم إعداد الطالب ليعيش في عالم جديد، يتغير بشكل غير مسبوق، عالم العولمة والانفجار المعرفي التقني المعلوماتي.