م. خالد إبراهيم الحجي
إن الموروث الاجتماعي والتراث الثقافي يلعبان دوراً رئيسياً في تشكيل العادات والتقاليد وتكوين المعايير الثقافية للمجتمع، ويظهر في الغالب تأثيرهما الملموس على معظم الناس في طريقة التفكير وتشكيل نمط سلوكهم، وهذه الأفكار وتلك السلوكيات نجدها تطبق في المجتمع بشكل مألوف وتلقائي، والأشخاص الذين يشتركون
في العادات والتقاليد والشعائر الدينية والطقوس المختلفة السائدة في المجتمع ينظر إليهم على أنهم ضمن دائرة المجتمع، بينما هؤلاء الذين يتجنبون أو ينبذون الموروث الاجتماعي والتراث الثقافي يعتبرهم المجتمع من المنحرفين ويصنفهم من الخارجين عليه. وكلُّ من الموروث الاجتماعي المتمثل في العادات والتقاليد والتراث الثقافي الذي يعكس حضارة المجتمع يتآكلان مع مرور الوقت، ويخضعان للتغيير والتطوير تدريجياً حسب المكان والزمان، ومن الممكن أن نجد ما كان يعد انحرافاً في الموروث الاجتماعي أو مرفوضاً في التراث الثقافي في الماضي قد أصبح مع تغير المكان أو مرور الوقت جزءاً من العادات والتقاليد في الوقت الحاضر أو جزءاً من المعايير الثقافية المعاصرة في المجتمع، ولا بد للمجتمع أن يخرج من عزلته وانغلاقه ويكون قادراً على التكيف والتأقلم ومواكبة متغيرات العصر ليبقى المجتمع فاعلاً ومتصلاً بالواقع وقوياً ومؤثراً ومتفاعلاً مع المجتمعات الأخرى، والموروث الاجتماعي والتراث الثقافي يمثلان الصفات الأساسية والجودة النوعية للسلوك الحضاري التي يحملها المرء أو المجتمع من خلال الآداب والأخلاق الفاضلة والاهتمامات الثقافية والعلمية في المجالات التطبيقية وغيرها من مختلف العلوم والفنون.
وهناك نوعان من الثقافة الأول الثقافة الفكرية: التي تشمل الجانب الروحي والخلقي وتميز المجتمع بالعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية مثل: اللغة والمعرفة والمعتقدات الدينية، والأشكال التنظيمية والقوانين المدنية، والسياسة والاقتصاد.
والنوع الثاني : الثقافة الحضارية المدنية: وتشمل مظاهر الرُقيّ العلميّ في الجانب المادّيّ من الحضارة في الأشياء المحسوسة التي يخترعها الناس مثل الملابس والكتب والمدارس والجامعات، والعمران، والسيارات والطائرات، والطب والهندسة والإلكترونيات. ويرى علماء الاجتماع أن المجتمع الإِنساني قد وصل إلى شكله الراهن بعد أن مر عبر ثلاث مراحل كبيرة من التطور:
الأولى: مرحلة العصر القديم: وتشمل المجتمعات البدائية القديمة، وهي مرحلة مجتمعات الصيد والتجمع والرعي.
والثانية: مرحلة العصر البدائي: وتشمل المجتمعات الزراعية والصناعات اليدوية البسيطة.
والثالثة: العصر الحديث: وتشمل المجتمعات التجارية والصناعية والرأسمالية، وفي هذه المرحلة بدأت تظهر أصوات قوية تحذر من ضريبة التقدم والمدنية ومخاطر التكنولوجيا الحديثة على البيئة والمجتمع مثل مخاطر التلوث البيئي والمخاطر النووية والهندسة الوراثية. والعلاقة بين الثقافة والمجتمع مترابطة فلا يوجد مجتمع بلا عادات أو تقاليد أو ثقافة تميزه، ووجود المجتمع شرط لبقاء الموروث الاجتماعي والتراث الثقافي، وبالتالي فإنَّ ثقافة المجتمع تقوم على خمسة عناصر أساسية الأول: وحدة الأرض: ان عدم وجود حواجز طبيعية مثل السلاسل الجبلية الشاهقة أو البحار الواسعة أو المحيطات الضخمة التي تعيق التنقل والتواصل بين أفراد المجتمع لها دور أساسي وفعال في تكوين عادات المجتمع وتقاليده وترابطه، كما أن لها دوراً أساسياً في وحدة تراثه الثقافي. العنصر الثاني: وحدة اللغة التي يشترك فيها أفراد المجتمع فتيسر التعاملات اليومية بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وفي بعض المجتمعات العربية التي لغتها الأم اللغة العربية نجد في بعض مؤسسات المجتمع أن اللغة الإنجليزية أو الفرنسية هي اللغة السائدة في التعاملات اليومية، ويُعدُّ هذا مثالا واقعيا على التغير التدريجي الذي طرأ على بعض المجتمعات مع مرور الوقت. العنصر الثالث: الدين والمعتقدات ومجموعة الثوابت التي يؤمن بها المجتمع ويرى أنها صحيحة لا يشوبها باطل مثل: المجتمعات الإسلامية والمسيحية واليهودية والديانات الباطلة والعقائد المنحرفة. العنصر الرابع: وحدة الأيديولوجيات: مجموعة الآراء والأفكار والعقائد المذهبية أو الطائفية أو السياسية أو الفلسفية التي يؤمن بها شعب أو أمّة أو حزب أو جماعة في أحد العصور أو المجتمعات أو الطبقات الاجتماعية مرتبطة ومندمجة مع المعتقد الديني. والعنصر الخامس والأخير من عناصر الثقافة الأساسية: العقوبات: وهي الجزاء على السلوك الخاطئ، وفي العادة يكون الجزاء تابعاً للتوجيهات والتعليمات والأنظمة والقوانين التي يضعها المجتمع مثل الغرامات وعقوبة السجن لهؤلاء الذي يرتكبون انتهاكات قانونية، والقاعدة العامة للعقوبات أن الجميع تحت سيادة القانون.
إن الثقافة والمجتمع يمكن أن يكون بينهما عوامل مشتركة، ولكنهما غير متطابقين ويختلفان عن بعضهما البعض لأن المجتمع يتكون من الأفراد، بينما الثقافة تتكون من العادات والتقاليد والأعراف والأفكار والمهارات والمعارف والمؤسسات والهيئات والتراث والمتاحف والآثار. والموروث الاجتماعي والتراث الثقافي عرضة للتآكل والتغيير والتبديل والتعديل بسبب الانفتاح على المجتمعات الأخرى، وتطور الجانب المادي للحياة، وسرعة وتيرة التطور الذي يتطلب سرعة مواكبة مستجدات العصر الحديث، ومن أكثر المعايير الثقافية المتأثرة في المجتمع، وأسرعها للتآكل مع مرور الوقت الموروثات الاجتماعية التالية:
(1) تآكل القيود المفروضة على خروج المرأة من المنزل.
(2) تآكل مصطلح الخلوة نتيجة التغاضي عن خلوة العاملة المنزلية مع الأولاد البالغين في المنزل، بينما الخلوة قضية كبرى خارج المنزل.
(3) تآكل مبدأ خروج المرأة مع السائق الأجنبي لقضاء حاجاتها، بينما يحظر عليها قيادة السيارة لأن في ذلك خطر عليها من الاختلاط المحرم مع الرجال.
(4) تآكل غطاء المرأة لوجهها نظراً لضرورة كشف الوجه في حالات التدافع والزحام والاختناق، وكذلك تزايد توظيف غطاء الوجه والتنكر بلبس المرأة من قبل الإرهابيين للقيام بعمليات التفجير الانتحارية.
(5) تآكل التزمت الديني والتشدد المذهبي، وحلول التسامح والوسطية والاعتدال لاحتواء مستجدات العصر الحديث. والموروثات المتناقضة على الرغم من أنها سريعة التآكل إلا أنها في الغالب تبدو ثابتة خلال عمر الجيل الواحد.
الخلاصة:
إن المعايير الثقافية المتناقضة ضعيفة وسريعة التآكل، على عكس المعايير الثقافية القوية فإنها تبقى متماسكة لأنّها تستند إلى مجموعة الثوابت التي يؤمن بها المجتمع لذلك تبقى عصية على التآكل.