م. خالد إبراهيم الحجي
إن عدد المسلمين اليوم في العالم يزيد على بليون وستمائة ألف مسلم، ويعتبر الإسلام أسرع الديانات انتشاراً على وجه الأرض، فقد تغلب في سرعة انتشاره على المسيحية التي كانت تحتل المركز الأول على الرغم من محاولات الإعلام الغربي وعلى رأسه الإعلام الصهيوني من تشويه سماحة الإسلام من خلال تسليط وسائل الإعلام على السلوك السيئ والمتطرف لبعض المسلمين الذين لا يمثلون الإسلام،
وحتى الوقت الحاضر لا يوجد تقارير من مصادر إسلامية محايدة توفر احصائيات دقيقة عن التطرف عند المسلمين في أنحاء العالم بعد تزايد أعداد تنظيمات المسلمين الإرهابية التي انبثقت من فكر القاعدة، ولكن حسب التقارير الغربية المتداولة تقدر نسبة المتطرفين المسلمين بين 15% - 25%، وهذا يعني أن نسبة المسلمين المسالمين 75% - 85%، ولكن عندما نحسب النسبة الخاصة بالمتطرفين 15% -25% من إجمالي عدد مسلمي العالم فنحن عندئذٍ نتحدث عن مائتين وأربعين مليونا إلى أربعمائة مليون متطرف مسلم من إجمالي شعوب العالم الإسلامي يحملون فكر الكراهية والإقصاء الذي ربما يصل إلى حد الإرهاب والتفجير والقتل، ولهذا السبب يجب أن نقلق وأن نكون على حذر من المتطرفين الواقعين ضمن النسبة 15% - 25 % لأنهم عدد لا يستهان به، لأن الفكر المتطرف هو الذي لديه الاستعداد للقتل والذبح وقطع الرؤوس. ويمكن تقسيم درجات التطرف عند المسلمين الواقعين ضمن النسبة 15% - 25% إلى أربعة أصناف من المتطرفين مع أهمية قراءة التصنيف بكل تجرد وحيادية:
الصنف الأول: المسلمون المتعاطفون مع التطرف والإرهاب ولكنهم لا يتبنون العنف، وهؤلاء من صفاتهم الكيل بمكيالين فنجدهم من جهة يصمتون عن شجب أو إنكار أو إدانة نوع من أعمال التطرف والإرهاب، ومن جهة أخرى يشجبون أو ينكرون أو يدينون نوعا آخر من أعمال التطرف والإرهاب، وكأن لسان حالهم يقول غض النظر عن الجرائم التي ترتكب في حق الشيعة وانظر إلى الجرائم التي ترتكب في حق السنة، وهذا التوظيف الطائفي يعكس موقفهم الفكري بالتعاطف والاصطفاف مع فكر داعش.
الصنف الثاني: المسلمون المحرضون الذين يحملون أجندة الفكر المتطرف ويدعون إليه دون أن يتخذوا إجراءات عملية ولا يسعون إلى تطبيقه على أرض الواقع ومن إحدى صفات هذا الصنف الكراهية للآثار الحضارية التاريخية للمسلمين وغير المسلمين، والدعوة إلى إزالتها خوفاً من أن يتبرك بها المسلمون، وهذا ما يفسر ظاهرة الرؤوس المقطوعة التي نلحظها عند زيارة المتاحف الإسلامية، فأغلب التماثيل المحفوظة في تلك المتاحف نجدها مقطوعة الرؤوس ليس لأن بها علة أوعيوبا إنشائية في بنائها، وحسب إفادة المرشدين السياحيين لتلك المتاحف الإسلامية تم تقطيع رؤوسها عمدا ً عبر تعاقب الإمارات الإسلامية عليها في العصور المختلفة، ويمكن أن يظل هذا الصنف المحرض صامتا لا يبوح عن فكره المتطرف لسنوات عديدة مثل الإنسان الذي يحمل فيروس الإيدز لسنوات طويلة دون أن تظهر عليه أعراض المرض. وهذا الصنف مع الصنف الأول يمثلون الغالبية من 15% - 25%.
الصنف الثالث: المسلمون الذين لديهم نزعة التخريب والتدمير ولم تصل إلى درجة التفجير أو القتل ولكن لديهم الاستعداد لهدم التماثيل وتدمير الآثار الحضارية التاريخية، وقد ظهرت مؤخراً أصوات متطرفة تتحدث بلغة داعش تطالب بهدم تمثال أبي الهول والأهرامات أحد عجائب الدنيا السبع ومن أهم الآثار الحضارية التاريخية على مستوى العالم.
الصنف الرابع: المتطرفون المسلمون الذين يمارسون القتل ممارسة فعلية على أرض الواقع مثل داعش وبوكوحرام وغيرها من التظيمات الإرهابية الأخرى التي انبثقت جميعها من فكر القاعدة. والقلة القليلة من هذا الصنف الرابع مهما كانت نسبتها صغيرة عند حسابها من مائتين وأربعين مليونا إلى أربعمائة مليون متطرف مسلم تصبح هذه القلة كثيرة جداً وشديدة الخطر وقادرة على إحداث تدميرٍ هائلٍ في المجتمعات المختلفة من دول العالم فمثلاً: حادثة 11 سبتمر 2002م في نيويورك كان ،آنذاك، أكثر من مليونين ونصف المليون من العرب المسلمين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية بسلام وأمان ولكن تتطلب الأمر فقط لـ 19 خاطفاً (19 متطرفاً عربياً ) ليجعل أمريكا تركع على ركبتيها عن طريق خطف عدد من الطائرات وتوجيه مسارها عمداً لتدمير مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون الذي خلف 3000 قتيل في ذلك اليوم.. إن مكافحة الفكر المتطرف يجب أن تبدأ مع الصنف الأول المتعاطفين مع الفكر المتطرف ومع الصنف الثاني المحرضين الذين يحملون أجندة الفكر المتطرف، لأن الصنفين هما السبب في الاختلاف بين التوجيهات الدينية وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع مما يؤدي إلى الازدواجية والانفصام في شخصية الشباب المسلم، فنجد من جهة فكراً دينياً أيدلوجياً يطالب بإزالة الآثار التاريخية والحضارية ويرى عدم منفعتها للإسلام أو للمسلمين بل يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يرى أنها ضرر على المسلمين ويخشى من خطر التبرك بها، لذا يجب إزالتها من باب سد الذرائع، ومن جهة أخرى نجد على أرض الواقع الهيئات الحكومية المرموقة لها ميزانيات سنوية تنفقها وتقوم بالنشاطات المختلفة وتقيم المعارض المحلية والدولية، وتقع على عاتقها مسؤولية المتاحف التي تحتوي على مقتنيات أثرية لا تقدر بثمن، وتعتني بالمحافظة على الآثارالحضارية والتاريخية وترميمها، ومثل هذه الازدواجية تقسم الشباب إلى فريقين الأول: الذين يطالبون بإزالة الآثار التاريخية والحضارية خوفاً من التبرك بها، وسلوك هذا الطريق قد يؤهل أصحابه إلى التحول التدريجي إلى الصنف الرابع من أصحاب الفكر المتطرف الذين يمارسون التدمير والقتل. والفريق الثاني: الذين يحبون الآثار الحضارية التاريخية ويقدرونها لانسجامها مع ميولاتهم الشخصية، بل ويتخصصون في علومها ويسخرون أنفسهم لخدمة هذا العلم ويبحثون عن كل مايستجد فيه حول العالم لأنه علم واسع يُدرس في أعق الجامعات ويستحق البحث والتعمق فيه، ويكشف أسرار الحضارات الإنسانية السابقة، ويقدم مساهمات علمية وعملية نافعة للمجتمع والبشرية، كما تحظى المتاحف والآثار الحضارية والتاريخية من قبل كثير من دول العالم بالاهتمام الشديد لأنها تُنشط قطاع السياحة وتحقق عائداً مالياً ومردوداً اقتصادياً لا يستهان به.
إن الاختلاف بين التوجيهات الدينية وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع تجعل الشباب المسلم يجب أن يختار أحدهما، ولأن أصناف التطرف متداخلة مع بعضها بعضا قد ينتهي به الاختيار إلى الصنف الرابع من التطرف.