م. خالد إبراهيم الحجي
إن مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية ناخبة ومرشحة على قدم المساواة مع الرجل في صندوق الاقتراع لكسب الترشيح في سباق الانتخابات المزمع انعقادها في 1- 3-1437هـ تعتبر خطوةً تاريخيةً في مجتمع ذي خلفية عريقة في العادات والتقاليد والمحافظة وفق المعايير الاجتماعية والدينية والسياسية، لأن قانون الانتخابات يمنح الحق للرجل والمرأة بالتساوي للوقوف جنباً إلى جنبٍ ناخبين ومرشحين، ومشاركة المرأة في الانتخابات البلدية في هذا التوقيت بالذات خطوةٌ إيحابية يجب أن تشكر عليها القيادة السياسية للدولة لأنها تمثل نقلةً نوعيةً مناسبة في طريق التطوير والتنمية، وستظل تحظى هذه الخطوة المباركة بالتقويم والتحسين والتطوير من قبل القيادة الإدارية حسب رؤية القيادة السياسية كل أربع سنوات مدة الدورة الواحدة للانتخابات البلدية لتعطي أفضل النتائج. ومشاركة المرأة في الانتخابات البلدية لها دلالات اجتماعية ودينية جديدة على المجتمع السعودي على وجه الخصوص لأن وقوف المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في الانتخابات مشهد غير مألوف في المجتمع السعودي، وخروج المرأة إلى هذا المستوى من المشاركة والظهور العلني عند البعض من شرائح المجتمع يعد من العيوب والمحظورات المخالفة للعادات والتقاليد الاجتماعية، والخروج عن العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة أو المألوفة في أغلب الأحيان صعب ولا يطاق أو يحتمل من قبل الذين يقدسون الموروثات الاجتماعية لذلك فإنهم يجدون صعوبة شديدة في تقبل مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية. إن العملية الانتخابية ليست مجرد بلاغة خطابية أو وعود مستقبلية وإنما عمل على أرض الواقع لأن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية ليست مجرد قيمة تضاف إلى قطاع البلديات وإنما أكثر من ذلك بكثير لذلك نجد هناك آراء مختلفة وردود أفعال اجتماعية ودينية وسياسية متباينة يمكن تسليط الضوء على بعض منها كالتالي:
رد الفعل الأول: الخوف من مشاركة المرأة: وهناك نوعان من الخوف أحدهما الخوف الطبيعي الذي ينتاب الناس عندما يحسون بالتهديد المادي، والآخر الخوف أو الهاجس المرتبط بالتجديد والتغيير المفاجئ الغير مألوف لهم ويعرف باسم فوبيا التغيير أو رهاب التغيير، والأشخاص الذين يحملون هذا الرهاب ببساطة ربما لا يريدون أي شيءٍ غريبٍ أو يختلف عن الموجود بين أيديهم أو المألوف لهم، أو ربما لديهم بيوت مطمئنة لذلك يتوجسون من أي شيءٍ جديد أو غريب خشية أن يعكر صفو الاطمئنان الذي ينعمون به. رد الفعل الثاني: رفض فكرة ترشيح المرأة للانتخابات البلدية: وهذا الرفض يتبناه فريقان أحدهما ربما لا يدرك تمام الادراك ماذا تعني مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية؟ لأن (1) المملكة حديثة عهد بالانتخابات البلدية، (2) عمل المجالس البلدية بعد مشاركة المرأة لم يوضع موضع التنفيذ بعد. والفريق الآخر ربما لديه آراء ومواقف قديمة جداً عن المرأة تتمثل في ضرورة بقاء المرأة في البيت وعدم خروجها للعمل، لذا يجدون صعوبة شديدة في تغيير مواقفهم عن المرأة اليوم لأن كبرياءهم لا يسمح لهم أن يتراجعوا عن آرائهم ومواقفهم السابقة بعد أن كانوا يرددون لسنوات عديدة على مسامع المجتمع وجوب بقاء المرأة في البيت وعدم خروجها للعمل.
رد الفعل الثالث: تأييد مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية: لأن مشاركتها تساعد في إعادة صياغة الروابط بين الرجل والمرأة لملائمة متغيرات العصر الحديث، كما أن مشاركة المرأة ستتيح الفرصة ليس فقط لتحديث وتطوير الأدوار والأعمال النمطية الموروثة للمرأة في المجتمع، وإنما أيضاً ستتيح فرصة للرجل أن يكتشف أن الموروث والمألوف من العادات والتقاليد الاجتماعية ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً في كل زمان ومكان، فكما تغير فكر الرجل المحافظ التقليدي في المجتمع من رجل يرفض تعليم المرأة وذهابها إلى المدارس إلى رجل عصري ينادي بتعليم المرأة ويأخذها إلى المدرسة، كذلك يمكن أن يتغير دور المرأة وعملها النمطي الموروث في المجتمع من امرأة تابعة للرجل إلى امرأة مشاركة مع الرجل.
رد الفعل الرابع: المساواة بين الرجل والمرأة: يرى البعض أن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية خطوة سياسية يقصد منها تحسين صورة المملكة أمام العالم بأنها بلد المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، مثل مشاركة المرأة في التمثيل الدبلوماسي أومثل القضية اللافتة للنظر التي تختلف فيها المملكة عن باقي دول العالم وهي عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة لأسباب متداخلة اجتماعية مدنية دينية، بل أن البعض يقتصر الأسباب على التحريم فقط، وهؤلاء نظرتهم ضيقة ومحدودة لأن المملكة ترى أن قيادة المرأة للسيارة لا تزال سابقة لأوانها فلم تأخذ الأسبقية في سلم الأولويات عند القيادة السياسية، لأنها قضية متداخلة اجتماعياً ومدنياً ودينياً وليست قضيةً سياسيةً ويجب أن يحسمها التيار العام في المجتمع، ومن ثم تضع لها القيادة المدنية التنظيمات المناسبة لها، دون تأثير مباشر من القيادة السياسية لأن هدف القيادة السياسية ليس إرضاء بعض الأصوات في الداخل أو الخارج، وإنما هدفها التطوير الانتقائي بطريقة متأنية وفي توقيت مناسب، وخير مثال على ذلك مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية لأن القيادة السياسية تعلم أن مشاركتها تؤكد استحقاقها لثقة هؤلاء الذين انتخبوها.