أمل بنت فهد
لكل البدايات المتعثرة بقلة الخبرة.. وكل الأحداث التي تأخذ الإنسان على حين غفلة.. وكل علاقة يقابلها شعور أولي لم يعرفه.. وكل آخر مر بحياتك ولم تعرف كيف تحافظ عليه أو تفهمه.. وكل التصدعات التي ولدت على أثر ارتطام بحاجز أول لم تعرف بوجوده.. لها كلها ضريبة وكبش فداء لقضية ليس لها مذنب.. إنما ضحايا التجربة الأولى وكل الأبطال كانوا أبطال خيبة وهزيمة.
الزواج الأول.. الطفل الأول.. الحب الأول.. الوظيفة الأولى.. الصداقة الأولى.. المعرفة الأولى.. التجربة الأولى.. وكل أمر عرفنا معه شيئاً لأول مرة.. تلك الأحوال التي لم تخرج عن ألم ليس له مبرر.. أو لذة لم نعرف كيف نبقيها على قيد الحياة.. رغم أنها أمور طبيعية إلا أنها تأخذ منا ثمن باهظ.. من الوقت الذي أهدر في التعلّم على بشر لن تتكرر في حياتنا.. وعندما غابت الخبرة تحولت لحقل تجارب لا يرتقي لمكانتها.
فالطفل الأول الذي أصبح الآن أكبر إخوته يعرف جيداً ماذا يعني أن يكون حقل تجارب الأبوة والأمومة التي تتعامل مع هذا الضيف الأول بدلال مفرط أو صرامة وقسوة لا يعرفها البقية من إخوته.. وكثيراً ما نصادف جملاً يرددونها كلها تحكي عن ألم عميق.. وعن غرابة تعامل والديهم مع البقية والأصغر سناً.. لماذا هم أكثر تفهماً وضعفاً معهم.. على عكس ما عايشوه هم؟
كيف يكون الزواج الثاني أكثر تقارباً ونضجاً وانفتاحاً من الزواج الأول..؟
وليست قضيتنا كيف نصنع إنساناً يعرف كيف يتعامل مع الأمور الجديدة بحرفنة ونجاح من الضربة الأولى.. إنما كيف نعالج من تمزقوا تحت المشارط الجاهلة.. وكيف يتم تعويضهم عن ضريبة الحضور المبكر لحياتنا.. متى نشرح لهم أننا تعلمنا عليهم.. وفهمنا دروسنا جيداً على حسابهم.. وكيف كنا نظن أننا نعالجهم ونحميهم في حين كانوا يموتون بين أيدينا دون أن ندرك.. كيف نشرح للابن الأول ترف المشاعر الذي يمنح لإخوتهم من بعده.. ومساحة الحوار التي لم يدخلها.. كيف نقنعه بحجتنا الضعيفة.. والأهم كيف نعوّضه!
يوم بدأنا نتعلّم الكتابة على الأوراق البكر.. تحمّلت قسوة ضغطنا عليها.. وتمزّقت من كثرة مسحنا للخطوط المتعرّجة.. كانت كريمة في تحمل جهل أناملنا.. نسيناها بعد أن فهمنا سر الكتابة.. والابن الأول هو ذاته تلك الأوراق البكر.. فماذا قدمنا لهم بعد أن عرفنا كيف نتعامل مع غيرهم من أخطائنا عليهم؟
هل التفتنا لنرى أثارنا عليهم.. أم كان مصيرهم مصير دفاترنا القديمة!