د.فوزية أبو خالد
-1-
لم أكن أنوي الكتابة هذا الأسبوع لأنني - واسألوا رئيس التحرير - لست إلا من فصيل أولئك الكتّاب العنيدين أو «المعقدين»، الذين لا يستسلمون لرحمة الصحف وقسوة الملاحقات داخلها أو خارجها لتحديد ماذا على الكاتب أن يكتب أو متى.
وإذا كانت الناقدة والشاعرة سلمى خضرا الجيوسي ترى أن التمرد على السائد الإبداعي والسياسي أو أحاديته لا يكون فقط بالثورة على رموزهما السلطوية بل أيضاً بمقاومة تحول التمرد إلى حالة نرجسية من النشوة بشجاعة الذات أو استرضاء الجمهور، فقد وجدت أن من أبجديات التجديد الإيجابي لعمل كالكتابة التمرد على تحويل الالتزام إلى عادة روتينية، قد تنهك زهو ونزاهة النقد الاجتماعي والسياسي، وتحوله إلى حالة استهلاكية من التشكي والسخط العبثي. يُضاف إلى ذلك قناعتي بأن الأحرى بالكاتب الامتناع عن الكتابة ما لم يشعر بلياقة فكرية وجسدية بل ومزاجية، تمكنه من لقاء القارئ بشغف وبمواضيع ليس الهدف منها إرهاق الصحيفة بالكلام لمجرد الوجود أو لاستمرار المكافأة المالية.
غير أن اتجاه الريح يحرّك الشجر؛ فقد هزت حادثت الحرم المكي حبال روحي في علاقتها بجسدي حتى كادت تقطع ما بينهما من تواشج.
ولذلك عدلت عن قرار عدم الكتابة الذي لم يدفعني له هذه المرة إلا تشتتي الجسدي والمكاني مع بداية العام الأكاديمي الجديد بين الجامعة والفضائيات في التغطيات التحليلية لموضوع الانتخابات، وبين البنك والأحوال والعمدة والشرطة في محاولة تحضير الأوراق الثبوتية المطلوبة لتمكيني من التسجيل في قيد الانتخابات.
* * *
-2-
لقد كشفت التجربة الأولية لخوض المرأة عمار العملية الانتخابية في حيزها المحدود أو الغيثي المتمثل في الانتخابات البلدية، وهي بعد في مرحلة قيد الناخبين، عدداً من الأمور، أوجزها في النقاط الآتية:
- مدى حماس النساء السعوديات ممن مُكِنَّ من المعرفة الانتخابية لخوض هذه التجربة، على اعتبار أنها حق وواجب وطني في نفس الوقت للعمل يداً بيد مواطنين ومواطنات على تحمُّل مسؤولية المشاركة الوطنية مع الدولة في خدمة المجتمع.
- مدى محدودية الجهد التوعوي في إكساب المواطنين والمواطنات ثقافة الانتخابات، وفي تعلم آلياته وآليات الاستعداد للتجربة بقصره على الجهاز الرسمي، وبالحد من مشاركة المجتمع المدني. فلو أنه جرى التوسع في ورش العمل التي تعد الناخبين وتعد المرشحين، خاصة بالنسبة لتجربة النساء الأولى من نوعها في هذا المجال، ووُسعت منافذها عبر الجمعيات الأهلية والمدارس والجامعات والأندية الأدبية، لكان ذلك أجدى لنجاح التجربة إن كنا نريد حقاً لها النجاح، وليس مجرد تسجيل موقف بأنه جرى إتاحة الفرصة ولم ينجح أحد.
- كشفت التجربة في مرحلتها الأولية لأسبوعي قيد الناخبين والناخبات مدى «هامشية وضع النساء» القانوني، ومدى غموض وضع المرأة كمواطنة، ومدى اعتماد إثبات مواطنة النساء والحقوق والواجبات. فقد تضمن التسجيل في قيد الناخبين والناخبات شرطين أساسين، هما شرط إحضار الهوية الوطنية، وشرط إثبات مكان الإقامة (الشارع والحي) للتحقق من الدائرة الانتخابية للأحياء لإقامة الناخبين. فكان الأمر بالنسبة للكثير من النساء، خاصة إثبات محل الإقامة، دونه خرط القتاد؛ إذ أغلبية النساء حتى وإن كنَّ يملكن البيوت التي يقمن فيها أو يستأجرنها فهي في الغالب ليست مسجلة بأسمائهن، بل بأسماء ذكور الأسرة. هذا عدا أنه ليس هناك ما يثبت أن فلانة تقيم مع أبيها أو أخيها أو زوجها في نفس البيت والحي؛ ما جعل الدوائر الانتخابية تطلب لحل الموقف ما سموه بـ»مشهد من العمدة أو مركز الشرطة للحي»، يفيد بأن فلانة تقيم مع أسرتها الفلانية. وهذا صعّب المهمة على كثير من النساء. فبعضهن كما حدث مع عدد من طالباتي بل زميلاتي بالكاد أقنعن رجل أو رجال الأسرة بالموافقة على أن «يأخذهن» أو «يسمح» لهن بالذهاب لمقر الدائرة إما استصعاباً للمشوار ذهاباً وإياباً، أو لعدم اقتناع بأهمية مشاركة المرأة كناخبة أصلاً، فما بالك عندما يصير من المتطلبات ليس فقط «التوصيلة» لدائرة الحي الانتخابية، ولا إعطاء التصريح بذلك في مجتمع لا تتحرك فيه المرأة إلا بموافقة الرجل، بل الذهاب للعمدة أو للشرطة كشرط لإثبات موقع الإقامة.
للأسف، كان ذلك سداً منيعاً، حال بين عدد كبير من النساء وبين التسجيل في قيد الناخبين؛ ما قد ينعكس - وخصوصاً في ظرف المحدودية الزمنية لقيد الانتخابات - سلباً على مشاركة النساء في هذه التجربة الانتخابية الأولية.