د.فوزية أبو خالد
قلت في مقال الأسبوع قبل الماضي الذي استوفيه بهذا المقال: إن سؤال شريحة الشباب يشكل في الأوضاع العادية شكلاً من أشكال القلق المشروع الذي لا بد أن يكون هاجس كل من الدولة والمجتمع معًا على اعتبار أن الشباب واحد من أهم القوى الاجتماعية للأوطان إن أرادت تقدمًا وإن أرادت تغييرًا لما قد تعاني منه من التخلف
.. وإعاقات النمو الفكري والمادي، فكيف تكون قسوة السؤال في حالة خطر بواح يعمل في العلن والخفاء على تحويل شريحة الشباب إلى قنبلة موقوتة لإثارة الصراعات والفتن بين مختلف القوى الاجتماعية لتدمير الوطن في علاقته بذاته وفي علاقته بالجوار؟!.
كيف يخون شاب حليب أمه
ومع بالغ الألم الشخصي والوجع الاجتماعي جاء تفجير مسجد قوات الطوارئ بمنطقة عسير يوم الخميس (بعد ذلك المقال بيوم واحد) مؤكدًا فداحة الموقف في علاقته بسؤال تورط شباب سعودي غض الإيهاب مثل يوسف السليمان ذي الواحد وعشرين عامًا الذي جعل نفسه أداة قاتلة بأيدٍ لا ضمير ولا عقل عند تنظيمها الفاشي لتنفيذ تلك الجريمة الإرهابية الفظيعة على أرض وطنه وفي أبناء بلده بما أدى إلى استشهاد (15) وإصابة (33) مواطنًٍا من رجال الأمن.
ماذا فعلت المناصحة؟
لماذا صار شبابنا عونًا علينا؟
والسؤال الحارق الذي لا تستطيع مفاتيحي ولا شاشتي أن تنجو من تجريحه للروح والحنجرة منذ اصطدم بصري وعقلي بأشلاء شباب وطني على يد شاب من وطني، هو لماذا ومن المسؤول وماذا ننتظر لنخلع هذه الجريمة من جذورها ونواجه هذا العبث السياسي والعسكري فيكون شبابنا شريكًا في المنعة ضده لا أداة في يده تحاربنا من داخلنا؟! لماذا لم تنجح لجان المناصحة في تجنيب بعض الشباب تلك الانتكاسات الخطرة في حق أنفسهم وأهلهم ووطنهم، ولماذا لم تستطع الدولة ولا المجتمع أن تصل في تحصين الجبهة الداخلية بمشورة ومؤازرة الشباب أنفسهم إلى سقف الكفاية ليكونوا عونًا لنا ولا يخرج منهم من يكون عونًا علينا؟!
في رأيي أنه من غير المجدي تبادل الاتهامات المبطنة أو السافرة بين الدولة والمجتمع أو بين التيارات السياسية بعضها البعض حيث كل فئة تنحي باللائمة على الأخرى في مسؤولية تخطف تلك الشعلة التي أسمها الشباب.
لا لتبادل الملامات في المآلات المؤلمة
فليست مرحلة الصحوة التي مر بها المجتمع السعودي من الثمانينيات والتسعينيات وحدها المسؤولة عن رمي بذرة التشدد والتطرف في هشيم الشباب، وليس احتلال الحرم المكي الشريف على يد زمرة جهيمان ولا أفغنة الشباب العربي وطلبنته وأسمنته على يد القاعدة هي المسؤولة وحدها. كما أن لا الوهبنة ولا السعودة ولا النفطنة، كل على حدة يمكن أن تكون وراء ميل شباب من مراحل مختلفة، الطفرة الأولى ومرحلة التقشف والطفرة الثانية إلى الاستجابة للتشدد إن لم يكن الانضواء لدعاوى الاحتراب الظلامي مع الدولة والمجتمع. فسؤال مسؤولية التفريط بالشباب مسؤولية جمعية تقع على عاتق الدولة والمجتمع السعودي معًا بكل ما بينهما من تداخل وتمفصل في العلاقة ببعضهما سياسيًا وقانونيًا وتوجهًا فكريًا ونمطًا سلوكيًا تاريخًا واستشرافُا. ليس هذا وحسب بل إن الدولة والمجتمع مسؤولان معًا بكل ما بينهما من تطابق وتناقض عن العلاقة بقوى التغيير وعن كيفية التعامل مع مستحقاتها إضافة لمسؤوليتهما عن طبيعة العلاقة بما يمكن أن نستعير له مسمى الثابت والمتغير في السياسة المحلية وفي تفاعلها مع الثابت والمتحول لدوائر كل من المحيط الخليجي والعربي والإقليمي والدولي.
فما الذي فعلته الدولة والمجتمع، وذلك ليس إلا على سبيل المثال بإحداث حدية على ما بينها من فروقات، بعد حادثة اقتحام الحرم أو في أعقاب حرب الخليج الثانية أو في ذروة تظاهرات الربيع العربي غير العمل بتوافق إن لم يقل تواطؤ ضمني ما بين الرسمي والمجتمعي على عزل سؤال التطوير السياسي عن مساقات الحدث أنى اشتدت وتيرته. وكذلك العمل التضامني للتضييق على الكلمة والفكر بما يكاد يطبق على أنفاسنا. وبدون تفصيل في تاريخ لم يبتعد لا بد أن منا من يتذكر توجهات وتصرفات ما بعد حادثة الحرم من خفض سقف الحرية إلى تغليب جانب أحادي للخطاب السياسي والثقافي، وإطلاق يده في لاستعداءات والإقصاء إن لم يكن التصفيات المعنوية للمختلف ناهيك عن المخالف.
وإذا كان نفس الشيء لا يقال عمّا بعد حرب الخليج الثانية 1991م، فإن ما قدم على إثرها وتمثلت ذروته في قيام مجلس الشورى بستين عضوًا معينًا (1993) لم تكن مشكلته في أنه قد جاء بأقل من الاستحقاقات المقترحة من قبل بعض طلائع وطنية، بل في التراضي المبطن الذي حدث تجاه هذه الخطوة الذي لم يلق بالا بما يكفي لسؤال التطوير السياسي والتنوع والتجديد الثقافي والفكري في علاقته بسؤال قوى تغيرية مهمة كقوى الشباب.
بمن التحالف مع المستقبل
ليس المقصود بتحميل الدولة والمجتمع مسؤولية التفريط ببعض قوى الشباب إلا محاولة للكف عن تمييع المسؤولية بتبادل الملامات. فالموقف اليوم جلل ومع بروز رأس الجليد المتمثل في استخدام الشباب السعودي للتحزيب الطائفي بالقتل الجماعي داخل المساجد محليًا وبالجوار، فإن الأمر يتطلب وقفة نقدية صارمة من الذات الرسمية ومن الذات المجتمعية ومن علاقتهما القاصرة ببعضهما البعض وباستحقاق التحولات. ولذا فلا مناص في هذه اللحظة التاريخية الحارقة إن أردنا الخروج منها بوحدة وطنية متماسكة وبتصحيح المسار من أن نتحلى دولة ومجتمعًا بشجاعة تحمل المسؤولية المشتركة عمّا حدث ونأخذ على عاتقنا الوطني دولة ومجتمعًا أيضًا مسؤولية الخروج من هذه المحنة الوجودية والوطنية معًا. وذلك بطبيعة الحال يتطلب رؤية وإرادة ويتطلب استراتيجية وتكتيكًا سياسيًا واجتماعيًا وفكريًا على المديين القريب والمتوسط وعلى المدى البعيد. وهذا لن يطال من دون شفافية عالية في تفكيك طبيعة شركات المسؤولية عن هذه المآلات المؤلمة. كما أنه لن يحدث ولا في الأحلام من دون وضع ما يمكن تسميته بـ«عقد اجتماعي» وميثاق شرف وطني مشترك، علنا نخرج على تلك المآلات المؤلمة بالتحالف مع المستقبل على أسس سياسية واجتماعية أقل ركونًا على الدولة وأكثر مشاركة معها خاصة من قبل الشباب في تحمل مسؤولية قيادة وطن والنهوض به والحفاظ على سلمه الأهلي وأمنه الوطني.