يوسف المحيميد
ما يحدث في أوروبا، قارة الدول المتقدمة، دول الحريات والديمقراطيات، الدول التي صنعت للإنسان حقوقاً، ولاحقت دول العالم أجمع كي تطبقها، الدول التي أنشأت جمعيات لحقوق الحيوان، والحفاظ على البيئة، فشلت لأن تحافظ على إنسانيتها وآدميتها، حينما فقدت دول العالم العربي آخر خيط من الأمل، لتصبح دولاً طبيعية إسوة بدول العالم، فمجرد أن حاول إنسانها ومواطنها الرقي بها، والبحث عن حريات مفقودة فيها، وجد نفسه في أكثر مجازر العالم وحشية، آخرها ما يحدث في سوريا من قتل وتعذيب وتشريد للمواطن العربي، وكذلك إدارة سيناريوهات قذرة وانتحارية في منح الجماعات الإرهابية كل الأسلحة والمعدات، كي تبدو الحرب في سوريا، ليست قتلاً جماعياً لمواطنين أبرياء وعزل، وإنما حرباً بين نظام يمثل دولة، وبين جماعات إرهابية تقوم باحتلال مدن وقرى من هذه البلاد!
ما أقسى جريمة الصمت التي يقوم بها العالم تجاه ما يحدث في سوريا، وعلى رأسه دول أوروبا، وما أقسى لا مبالاة هذه الدول في موت المهاجرين السوريين، بمختلف الطرق البشعة، كم أتخيل هذا المواطن السوري وطفله حينما هرب من ويلات حرب قاسية لا ترحم، بحثاً عن أمان وهدوء في دولة أوروبية كالنمسا، دون أن يتوقع أنه سيموت وطفله مختنقاً داخل شاحنة دواجن، كم تذكرت بحزن قسوة موت فلسطينيين اختناقاً داخل صهريج ماء كانوا اختبأوا بداخله هرباً إلى بلد عربي، وذلك في رواية «رجال تحت الشمس» للروائي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني!
إذن، لا أحد يعرف من أوقف هذه الشاحنة على طريق سريع في النمسا، ومات بداخلها أكثر من سبعين سورياً مهاجراً، فالشرطة النمساوية لم تزل تحقق في الأمر، وقد يقول قائل إنّ النظام من جهة، وجماعات الإرهاب من جهة أخرى، قتلت مئات الآلاف عبر مدى أكثر من أربع سنوات، وهذا صحيح، لكننا نعوِّل كثيراً على دول الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان!
وكأن القدر لا يرحم هؤلاء، حتى لو رحمتهم أنظمة بعض هذه الدول المتقدمة، فمواطنو العنصرية يلاحقونهم حتى لو أوجدت لهم الحكومات الأوربية مجمعات للاجئين، ففي ألمانيا ألقى مجهولون قنبلة حارقة على نزل للاجئين شمال ألمانيا، وكأنما القدر يقول لهم، أينما تولوا وجوهكم، ثمة قنابل تتبع خطواتكم، حتى لو كُنتُم في أكثر دول العالم تحضراً ومدنية!
كم هو محزن حقاً، أن أكثر من ثلاثمائة ألف مهاجر فرّوا إلى أوروبا، أكثر من 2500 غرقوا في البحر أثناء محاولة الفرار إلى بضع سلام، وحفنة طمأنينة!
لم ينس التاريخ الحديث أبداً، إهدار كرامة الإنسان وحقه البسيط في العيش الكريم!