يوسف المحيميد
كلنا نعرف حكاية الناشطة الباكستانية ملالا يوسف زاي، التي تعرضت لمحاولة اغتيال من قبل متشددين مؤيدين لطالبان، في حافلة مدرسية، قبل أكثر من سنتين، نتيجة لمطالبتها بحق النساء في التعليم، وحصولها على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، وما قامت وتقوم به من أعمال إنسانية وزيارات لمختلف مناطق العالم، التي تحتاج إلى مزيد من التركيز الإعلامي العالمي عليها، وعلى قضاياها، خاصة في دول العالم العربي، الذي عانى أطفاله من الإهمال والتهميش طوال عقود السلم، فكيف الآن، وفي حالة هذه الحروب والفوضى الراهنة، وما لحق الطفولة من مآسي وقتل وتشريد! وكم كانت كلمة ذات الثمانية عشر ربيعاً، في لبنان الأسبوع الماضي، رائعة ومعبرة وصادقة، وهي تفتتح مدرسة للبنات اللاجئات من سوريا، حينما دعت قادة العالم إلى الاستثمار في الكتب، لا في الرصاص! ما يحدث الآن هو العكس للأسف، وبعدما عانى العالم زمن الحروب الباردة، من السباق نحو التسلّح بين القطبين آنذاك: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، ها هو يعود من جديد، عبر الأقطاب الإقليمية، فعلى سبيل المثال، ستضطر المملكة ومعها معظم دول الخليج إلى التسلّح، بحثاً عن الحماية والأمان، مقابل الأطماع التوسعية الإيرانية، والحلم بالسيادة والهيمنة، مع تحوُّل الدول العظمى إلى تجار أسلحة، يحلمون بمزيد من الحروب، وبيع المزيد من الأسلحة، وتحقيق الكثير من الأرباح! بعيداً عن الحروب، وعوداً إلى العبارة الرائعة للنوبلية ملالا، وأهمية الاستثمار في العلم والثقافة، بدلاً من الرصاص، استعيد خطاباً جميلاً لفتاة سورية تحدثت بحضور ملالا، عن أهمية أن ندافع عن قضايانا، وأن نثق بقدرتنا على إيصال أصواتنا، واستشهدت بملالا التي ناضلت لأجل تعليم الفتيات في بلادها... وحين أستعيد ذلك فإن لدينا في الوطن العربي الكثير من الأطفال الذين يعانون من الحروب والتشرد والاضطهاد، ومن بينهم من يمتلك رؤية وعزيمة تتفوق على الباكستانية ملالا، فمثلاً لو تحدث أحد الأطفال السوريين الذين عانوا ويلات الحرب والدمار، وفقدان الأهل تحت وطأة القتل اليومي، لأصبح أيقونة تجذب أنظار العالم للمأساة السورية أكثر من نشرات الأخبار، ولو تحدث طفل فلسطيني، وَقاد بشجاعة مع أطفال فلسطينيين حملة رفع الحصار عن غزة بدلاً من صراعات الساسة، وتحول هو أيقونة إعلامية عالمية تحمل رسالة واضحة وقوية لمجابهة الحصار، والمطالبة بالغذاء والدوء، وكشف المأساة الإنسانية للفلسطينيين، ومعاناتهم من جدار الفصل العنصري، ومصادرة بيوتهم وأراضيهم... إلخ. حتماً لن يحصل الطفل الفلسطيني، ولا السوري، على جائزة نوبل للسلام، لكنهم سيحملون الصوت الفلسطيني، والسوري إلى العالم أجمع.