جاسر عبدالعزيز الجاسر
فهمَ نظام ملالي إيران تبعات ما يجري في العراق، فسارع بإرسال مندوبه قاسم سليماني للاجتماع بقادة الأحزاب والمليشيات الطائفية الذين يُشكِّلون ما يُسمى بالمجلس الوطني الذي يضم «البيت الشيعي» الذي أنشأه أحمد الجلبي ليُنسِّق أعمال الأحزاب المذهبية الشيعية، ويفرض الحكم الأوتوقراطي على العراق وفق التوصية الأمريكية عبر رامسفيلد لممثله الجلبي، البيت الشيعي تطوَّر وأصبح المحرك السياسي للأحزاب والمليشيات الشيعية، بدايةً لقطع الطريق على القائمة العراقية التي كانت تضم الليبراليين وبعض الساسة من أهل السنّة، حيث كانت القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي، تتفوق على قائمة دولة القانون التي يرأسها نوري المالكي بثلاثة مقاعد، فتفتّق ذهن الأمريكيين والإيرانيين من خلال ممثليهما أحمد الجلبي وقاسم سليماني، وطرحوا تشكيل البيت الشيعي الذي تحوَّل إلى «التحالف الوطني» الذي فرض حكمَ مكون طائفي واحد للعراق، وإن غلّفه بنظام المحاصصة الذي لم يكن ذا جدوى، لأن الحل والربط كان بيد رئيس الوزراء المختار من هذا المكون وعبر التحالف الوطني الشيعي.. وهكذا ومنذ الاحتلال الأجنبي للعراق حكمَ من يُرشحهم التحالف الشيعي العراق، ما عدا فترة زمنية بسيطة تناوب أعضاء مجلس الحكم إدارة شؤون العراق تحت إشراف سيئ الذكر بريمر.. وهكذا فإن كل ما أصاب العراق من تدهور وفقر وتحوُّله إلى دولة فاشلة محتلة سببه سوء الحكم والإدارة التي يتحمّلها قادة الأحزاب والمليشيات الطائفية، وقد دفعت الأوضاع السيئة التي وصل إليها العراق والتي يعيشها العراقيون إلى اندلاع تظاهرات تُقام كل يوم جمعة كمؤشر لقرب اندلاع ثورة شعبية ضد حكم الفاسدين الذين قدَّمهم ممثل المكون الشيعي لحكم العراق.
ولهذا، هرعَ نظام ملالي إيران للتدخل والوقوف ضد إرادة الشعب العراقي الذي يسعى ويُطالب بمحاكمة الفاسدين الذين دمروا بلداً كان يعيش في رخاء، فملالي إيران يرون أن تقديم رموز الفساد وعلى رأسهم نوري المالكي للمحاكمة، سيكشف فشل النهج والتوجه المذهبي الذي فرضه المحتلون ونفذه عملاء إيران، وبالتالي تأكيد فشل الحكم الأوتوقراطي المذهبي، والذي يُطبقه الملالي في إيران والعراق معاً، وإذا كانوا في إيران قد استطاعوا أن يجعلوا الأمر بيد ولي الفقيه، فإنهم في العراق جعلوا للمرجعية في النجف دوراً متقدماً في التوجيه، وبما أن الحكم الفعلي للأحزاب الطائفية التي أوصلت العراقيين إلى الفقر والعوز، فإن محاكمة رموزهم من نوري المالكي إلى القادة الأمنيين وجميعهم من المكون الذي أخذ على عاتقه إدارة شؤون الدولة، فإن ذلك يعني محاكمة النهج والتوجه الطائفي والمذهبي الذي فرضه الملالي على العراقيين، مثلما جرى تطبيقه على الإيرانيين.
الإيرانيون انتفضوا وأشعلوا ثورة خضراء لم يُرد لها النجاح لعدم مساندتها ممن يدَّعون دعم حقوق الإنسان الذين كان لهم أجندة خاصة وضحت بعد نجاح صفقة الاتفاق النووي، إلا أن الثورة الخضراء في إيران حملت جرساً للملالي الذين أقصوا أحمدي نجاد بمسرحية الانتخابات، وجاؤوا بمعمم منهم علّه يصلح الأمر، إلا أن مرشد النظام عارض تقديم نجاد للمحاكمة حتى لا تنكشف عورة نهج الملالي، لأن محاكمة نجاد تعني محاكمة حكم الطائفية والمذهب الواحد، وتمَّ التّغاضي عن كل سرقات وفساد أحمدي نجاد، وهو نفس ما يريد مندوبهم إلى مجلس التحالف الشيعي قاسم سليماني فرضه على العراقيين، ووقف كل المساعي والجهود التي تهدف إلى محاكمة نوري المالكي واللصوص الآخرين، رغم كل المظاهرات والمطالب الشيعية العراقية التي وإن تشابهت مع الثورة الخضراء الإيرانية، إلا أن العراقيين أكثر إيلاماً، لأنهم يشعرون أن كرامتهم الوطنية قد سُحقت مثلما سُحقت أرزاقهم وحياتهم الكريمة.