جاسر عبدالعزيز الجاسر
احتضنت ساحة التحرير والشوارع المحيطة في بغداد مليون متظاهر أمس الجمعة، إذ بدؤوا التوجه إلى مناطق التظاهر بعد أداء صلاة الجمعة، وواصلوا تدفقهم حتى المساء رغم ارتفاع درجة الحرارة في العاصمة العراقية التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة لامست الخمسين درجة.
ازدياد أعداد المتظاهرين بمقدار الضعف، إذ كانوا في الجمعة الماضية نصف مليون، يؤكد أن الجماهير العراقية ماضية في تحقيق مطالبها بمحاسبة الفاسدين، وإبعاد المقصرين من السياسيين والقضاة والأجهزة الأمنية والعسكرية.
إن هذه الجماهير لم ترضها الإجراءات التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فهذه الإجراءات لم تتعد قرارات تصدر على الورق دون تنفيذ، والذي لم ينفذ منها سوى إبعاد نواب رئيس الجمهورية الذين لم يكن لهم عمل محدد، كذلك فصل نواب رئيس الحكومة الذين لم يكن وجودهم سوى «محاصصة» مذهبية وعرقية، أما تقليص عدد الوزراء فهو إجراء لم يقنع الجماهير التي كانت تريد تغييراً جذرياً لوزراء لم يحققوا المأمول منهم، وكانت مطالب الجماهير تشدد على وجود وزراء «تكنوقراط» متخصصين، ذوي كفاءة مهنية، لهم تاريخ وطني، ونظيفي الأيادي.
والعراق مليء بهؤلاء من ذوي الذمم التي لا يشوبها شائبة، وأصحاب كفاءات مهنية عالية، إلا أن عدم ارتباطهم بمراكز النفوذ والقوة الطائفية والعرقية جعلهم مُغَيَّبين.
وإجراءات العبادي رغم أنها تلامس المطالب الشعبية إلا أن تنفيذها معطل حتى الآن، فالذين أُبعدوا من المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية ارتكبوا الكثير من التجاوزات، منها ما يصل إلى درجة الجريمة، بما فيهم نواب رئيس الجمهورية والوزراء وعلى رأسهم نوري المالكي الذي أُدين من قبل لجنة برلمانية ولجنة تحقيق رسمية، ومع هذا «يسرح ويمرح» ويسافر إلى الخارج لدعوات رسمية، كالزيارة التي توجه من خلالها إلى إيران التي استقبلته نائباً لرئيس الجمهورية، وهو المعزول من هذا المنصب قبل بدء الزيارة.
المالكي عاد من إيران متحدياً مطالب الجماهير العراقية وإدانات اللجان البرلمانية والتحقيق، والتي تطالب بتقديمه للمحاكمة، للمحاسبة على الكثير من الأفعال التي ارتكبها إبان رئاسته للحكومتين العراقيتين منذ ثماني سنوات، وليس فقط مسؤوليته المؤكدة عن تسليم محافظة نينوى لتنظيم داعش الإرهابي.
إضافة إلى نوري المالكي هناك الكثيرون ممن ساعدوه في تمرير جرائمه، وفي مقدمتهم مجلس القضاء ورئيسه الذين كانوا أداة طَيِّعة بيد نوري المالكي لفرض أحكام جائرة على خصوم المالكي وإزاحتهم عن العمل السياسي، بل وحتى من على مسرح الحياة من خلال الحكم بالإعدام على من واجهوا انحراف المالكي السياسي والطائفي، وبالتالي فإن تغيير وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، واختيار قاض نزيه لرئاسة هذا المجلس الذي يفترض أن يتولى مسؤولية محاكمة المفسدين في عهد نوري المالكي وما قبله.
المتظاهرون يؤكدون أنهم سيستمرون بالتظاهر ما لم يتم محاكمة المفسدين وإبعادهم، وعلى رأسهم نوري المالكي الذي أصبحت محاكمته مطلباً شعبياً، على أن تتم عبر قضاة شرفاء وليس من قبل من وضعهم على رأس هذه المؤسسة التي يفترض أن تحقق العدل لكل العراقيين.